يعلنوها معه فليعلنها هو، باسمه وباسم أتباعه. ومضمون الآيات (?) وروحها يلهمان أن النبي كان في موقف القوي المطمئن بقوة موقفه وصحة دعواه والمستعلي على مناظره بالحجة الدامغة والتحدي المفحم والدعوة التي لا يردها إلا الممتري. وهنالك الكثير من الإضافات المناقضة للمعقول والمنقول ترد حول مسألة المباهلة (أو الملاعنة) رغم أن ابن هشام الذي انفرد بتفصيل خبر المناظرة لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم استعد للمباهلة لأن أسلوب الآية لا يقتضي ذلك، وهو أسلوب تحد وإفحام (?) .
وقد ارتأى الوفد النصراني أن يعرض على الرسول صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم بما يراه، فصالحهم صلى الله عليه وسلم وكتب لهم عهدا يمثل قمة من قمم العدل والسماحة والحرية، لم يفرض عليهم سوى جزية عينية قدرها ألفي حلّة في السنة وقد جاء فيه « ... ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم وصلواتهم، لا يغيروا أسقفا عن أسقفيته ولا راهبا عن رهبانيته ولا واقفا عن وقفانيته، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير ... ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين ... ولا يؤاخذ أحد منهم بظلم آخر. وعلى ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة النبي أبدا حتى يأتي الله بأمره إن نصحوا وأصلحوا فيما عليهم..» (?) . وقد دخل يهود نجران في هذا الصلح إذ كانوا كالأتباع لهم (?) .
وبتلك المعاهدة السمحة (?) قطع الإسلام الصلة بين أولئك العرب المتنصرين وبين دولة الروم التي يشتبك معها في الحرب، بعد ما ضمن الحرية