العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام» (?) . وكانت النصرانية تسود جنوبي الجزيرة كما تسود شماليها فرأى المسلمون وهم في حرب مع دولة الروم أن يحددوا موقفهم مع نصارى الجنوب خصوصا وأن الروم كانوا يغدقون العطايا على مبشريهم هناك، ويبنون لهم الكنائس، ويشجعونهم على المضي في تنصير القبائل المتوطنة في هذه الأرجاء (?) .
كان الوفد يضم أربعة عشر رجلا من أشراف النصارى، دخلوا المسجد بأرديتهم الملونة الثمينة، فسلموا على الرسول صلى الله عليه وسلم فردّ عليهم السلام، ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم شيئا من القرآن، فأبوا ودخلوا معه في مناقشات عقيمة تضيع في لجتها ملامح الحق البين الذي جاء به القرآن. من ذلك قولهم له وقد عرض عليهم الإسلام: إنا قد أسلمنا قبلك! فقال مخاطبا السيد والعاقب راهبي نجران: كذبتما!! يمنعكما من الإسلام ثلاث: أكلكما الخنزير وعبادتكما الصليب وقولكما لله ولد. قالا: فمن أبو عيسى؟ فلم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم إزاء ذلك إلا أن يوقف جدلا كهذا لا يوصل إلى نتيجة، ويعرض عليهم- بدلا من ذلك- المباهلة التي حددتها آيات القرآن الكريم التي تنزلت لكي تحسم أمرا لا يحتمل مناقشة ولجاجا: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (?) .
وكانت المباهلة تقضي بأن يجتمع الطرفان على صعيد واحد ويستنزلا لعنة الله وغضبه على الفئة الكاذبة. إلا أن رجال الوفد النصراني تخوفوا عاقبة الأمر وقال زعيمهم: «إني أخاف أن يكون صادقا» . ومما لا ريب فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تلا عليهم آيات آل عمران القوية النافذة، وخاطبهم بما في نطاقها، ودعاهم إلى ما أمر أن يدعوهم إليه من استنزال سخط الله على الكاذبين، ومن أن يجتمع الطرفان ويعلنا معا أنهما لا يعبدون إلا الله ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دونه فإن لم