وكان ممن جاء إلى تبوك يوحنة بن رؤبة صاحب أيلة حيث صالح الرسول صلى الله عليه وسلم ووافق على منحه الجزية. كما جاءه أهل جرباء وأذرح وأعطوه الجزية التي تعني إشعارا ماديا بانتمائهم إلى الدولة الإسلامية وقطع علاقاتهم وارتباطاتهم بمن سواها. وقد كتب الرسول صلى الله عليه وسلم ليوحنة عهدا يمثل (نموذجا) للعهود التي كان يكتبها للجماعات النصرانية مانحا إياهم فيها حرية الدين والمواطنة على السواء، ومؤكدا على كونهم قد غدوا مرتبطين بالدولة الإسلامية وحمايتها وسلطتها: «بسم الله الرحمن الرحيم. هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله وذمة محمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر. فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر» . كما وجه صلى الله عليه وسلم خالدا بن الوليد على رأس كتيبة إلى أمير دومة النصراني المدعو أكيدر بن عبد الملك، فتمكن خالد من أسره وقتل أخيه والعودة بالأمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن الرسول دمه، وصالحه على الجزية، ثم أطلق سبيله فرجع إلى بلده (?) .

وبعد عشرين ليلة قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم وقواته في تبوك، قفل عائدا إلى المدينة بعد أن حقق بحركته الصعبة تلك انتصارا على الجبهة النصرانية- البيزنطية، لا يقل خطرا عن انتصاراته الحاسمة على جبهات الوثنية واليهودية. فقد كسب عددا من القبائل العربية القاطنة في جنوب الشام إلى جانب الدولة الإسلامية، وقطع علاقاتها بالروم، وأشعر القبائل الآخرى بمدى قوة الدولة الجديدة وامتداد نفوذها إلى قلب الديار التي كان أهلها يعملون لصالح سادتهم الروم، ويلعبون دورا خطيرا في مقاومة امتداد الإسلام صوب الشمال. ولم تكن محنة مؤتة سوى محاولة واحدة من عدد من محاولات هؤلاء العرب بوجه الإسلام. وها هم الآن- بعد تبوك- قد اقتنعوا بأن الاحتماء بالسلطة البيزنطية سوف لن ينقذهم من العقاب، فبدؤوا يتهافتون على الرسول صلى الله عليه وسلم طالبين الصلح معه ودفع الجزية له!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015