وحلفاءهم سمعوا أنباء هذا الجيش الكبير، وقدرته على اجتياز المصاعب، وإصراره على لقاء الأعداء فاثروا الانسحاب إلى الداخل، عبر أراضي الأردن وفلسطين، صوب حمص حيث استقر هرقل، مستهدفين- في الوقت نفسه- جر القوات الإسلامية إلى الداخل والانقضاض عليها هناك (?) . إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتح لهم تحقيق هدفهم هذا وعسكر في تبوك جاعلا إياها آخر نقطة في توغله شمالا. ويذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه في التقدم، فأجابه عمر بن الخطاب: يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بها أحد من أهل الإسلام، وقد دنوت منهم حيث ترى وقد أفزعهم دنوك، فلو إنك رجعت هذه السنة حتى ترى، أو يحدث الله عزّ وجلّ لك في ذلك أمرا (?) .
وفي تبوك راح الرسول صلى الله عليه وسلم يراقب الروم ويتحداهم أن يبرزوا له ويقاتلوه.
ويذكر المسعودي أنه جرت خلال ذلك مراسلات بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين هرقل الذي كان يقيم آنذاك في حمص وربما في دمشق (?) . ويشير درمنغم إلى أن اتفاقا سريا تم بين محمد وهرقل يقضي بسماح الأخير لعرب الشمال باعتناق الإسلام (?) ، ويبدو أن درمنغم بنى استنتاجه هذا على رواية المسعودي آنفة الذكر وإن لم يكن من المستبعد أن يقرّ هرقل اتفاقا كهذا يخلصه من كثير من المشاكل التي بدأت دولة الإسلام تسببها لحدوده الجنوبية.
أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يتصل في الوقت نفسه بزعماء القبائل النصرانية المنتشرة في المنطقة ويتلقى سفاراتهم، فيعقد معهم معاهدات الصلح والتعاون، ويقطع- بذلك- ولاءهم للدولة البيزنطية ويحولهم إلى مواطنين أو حلفاء للدولة الإسلامية، وهو الهدف الذي كان يطمح إلى تحقيقه منذ بدء صراعه مع الروم.