والأنصار فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهم وأمره أن يلحق بابن العاص وأن يعملا سوية لإنجاز المهمة التي كلفا بها. وانطلق عمرو- بعد أن وصله مدد أبي عبيدة- حتى «وطىء بلاد بلى ودوخها، حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين» . ولقي في نهاية زحفه جمعا فحمل عليهم فهربوا بين يديه وتفرقوا في البلاد، بعد أن قتل منهم عدد كبير (?) ثم قفل جيش الرسول صلى الله عليه وسلم عائدا بعد أن غطى بانتصاراته الأخيرة هذه في أقصى الشمال، على مأساة مؤتة، ومكن للنفوذ الإسلامي في أقصى الشمال، وأشعر العرب الموالين للبيزنطيين بأن هزيمة المسلمين في معركة لا تعني أبدا انحسار دولتهم في أراضي الشمال.
[6]
بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في أواخر السنة الثامنة، في أعقاب دخوله مكة وانتصاره في حنين، بلغته أنباء خطيرة عن تحركات يعتزم الروم وحلفاؤهم العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة، القيام بها ضد الدولة الإسلامية قبل أن يشتد ساعدها وتتفرد في قيادة الجزيرة العربية، وتشكل خطرا حاسما على الوجود البيزنطي في بلاد الشام، وقد قامت هذه القبائل فعلا بإرسال طلائعها إلى البلقاء.
كان الوقت صيفا، والصحراء تحترق نارا، والبلاد تعاني جدبا ومحلا، والطريق طويلا، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص لقطع آلاف الأميال عبر الصحراء، وقتال قوم هم سادة الدنيا، ومحنة مؤتة، فوق هذا كله، ليست بعيدة عن الأذهان، لكن منطق الرسول صلى الله عليه وسلم يفوق التحديات ويتجاوز المصاعب، لأن السكوت على التحرك البيزنطي معناه الاندحار، وانتظارهم لكي يوجهوا (هم) ضربتهم معناه الانتحار، فلا بد إذن من التجهز بسرعة، وتولي زمام المبادرة، والانطلاق عبر المتاعب والمصاعب للرد على تحدي سيدة العالم، وإشعار العرب الخاضعين لها أن هناك دولة ثانية وكلمة أخرى.
وفي معظم الغزوات كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحدد هدفه العسكري زيادة في الكتمان، على العكس إنه كان يعلن عن أهداف غير تلك التي يريد قصدها، أما