المسلمون، في رواية للواقدي، سوى ثمانية قتلى (?) أو إثني عشر على الأغلب، بينما كانت خسائر العدو أضعافا مضاعفة مما أثر في معنوياتهم وصدهم عن مطاردة المسلمين. ومعروف أن عملية الانسحاب تعد من أصعب العمليات العسكرية، لاحتمال انقلاب الانسحاب إلى هزيمة، والهزيمة كارثة تؤدي إلى خسائر فادحة بالمنهزمين.. ولا تعد خسائر المسلمين الضئيلة في مؤتة شيئا يذكر بجانب الفائدة العسكرية التي أفادها الإطلاع على خواص قوات الروم وتنظيمها وتسليحها وأساليب قتالها مما اتضح أثره في المعارك التي خاضها المسلمون فيما بعد (?) .

ابتعد المقاتلون عن ميدان القتال قبل أن تصلهم النجدة التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استنفرها لدى سماعه أنباء القتال (?) ، ووصلوا المدينة بعد مسيرة مجهدة في جحيم الصحراء، وتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، والصبيان يعدون من ورائهم ويهتفون: يا فرّار فررتم في سبيل الله؟ فيجيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم:

ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى (?) . ولقد كرّوا فعلا على أعدائهم بعد قليل، فأمة يستنكر فيها الهزيمة حتى أطفالها الصغار الذين لم (يعتادوا) عودة (كبارهم) مقهورين، لا بد أن يجول كبارها جولات وجولات حتى تتحقق الكلمة التي حملوها إلى العالم!!

ولم يمض شهر واحد على معركة مؤتة حتى بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة، القاطنين في الشمال والموالين للروم، قد تجمعوا يريدون القيام بهجوم على أطراف الدولة الإسلامية، فدعا عمرو بن العاص ووجهه على رأس ثلاثمائة من أبطال المهاجرين والأنصار، وأمره أن يستعين بمن يمر بهم من قبائل بلى وعذرة وبلقين، الموالية للمسلمين. فانطلق عمرو يسير ليلا ويكمن نهارا، فلما اقترب من القوم بلغه أن لهم جمعا كثيرا، فبعث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب منه مددا فأسرع بإرسال أبي عبيدة بن الجراح على رأس مائتي مقاتل من كبار المهاجرين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015