القتال قريبا منه، فخاطب نفسه: وأنت في الدنيا؟ ألقى قطعة اللحم من يده ثم أخذ سيفه وتقدم، فقاتل حتى قتل (?) .
أخذ الراية رجل من المسلمين يدعى ثابت بن أقرم ونادى: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم. قالوا: أنت. قال: ما أنا بفاعل. فتشاور الناس واتفقوا على تسليم القيادة لخالد بن الوليد. وفي قلب الفجيعة واحتدام القتال كان المسلمون ينفذون (قيما) ويصنعون أخرى.. ثابت بن أقرم وهو يرفض القيادة، لا خوفا أو جبنا ولكن إدراكا لقدراته وطلبا للأكفأ والأحسن، والمقاتلون وهم (يتشاورون) لاختيار قائدهم الجديد بعد فجيعتهم برؤسائهم الثلاث (?) ..
ولقد كان خالد عند ظن أصحابه، التمعت عبقريته القتالية في لحظة الامتحان الخطير هذه، فجعل هدفه أن ينسحب بالمسلمين وأن يجنبهم عملية إبادة شاملة هي الآن قاب قوسين أو أدنى منهم.. وماذا بعد ضياع زهرة قوات المسلمين وتبعثر جثث ثلاثة آلاف مقاتل في الصحراء بعيدا عن رسولهم وأهليهم؟
سيقول الأمبراطور إن اندفاعا حماسيا من جزيرة العرب قد سحق، وعلى أعراب الجنوب ألا يفكروا مرة أخرى بمصارعة سيدة العالم، المنتصرة على الساسانيين، وسيقول أتباعه من نصارى العرب إن كلمة سيدنا هي الكلمة، وإن تبعيتنا وطاعتنا في مكانها، لن يحرفها نداء رجل جاء يدعونا إلى عبادة الله وحده وترك عبادة العباد! وسترفع الوثنية واليهودية وحركة النفاق رؤوسها ثانية في قلب الجزيرة في محاولة لاسترداد مواقعها القديمة التي أزاحها عنها الإسلام.
ولقد بدأ خالد تحقيق هدفه هذا بأن رسم خطة سعى فيها إلى إيهام العدو أن المسلمين لا زالوا في أماكنهم يقاتلون، فدفع مقدمتهم إلى مناوشة العدو، وأجرى تغييرات في مواقع جنده، بين ميمنة وميسرة ومقدمة ومؤخرة، وأرسل خلف الجيش عددا من الرجال والخيول يحدثون جلبة شديدة ويثيرون النقع، ليوهم العدو أن مددا قد جاءه، وما أن حلّ الظلام حتى انسحب من الميدان، وأخذ طريقه جنوبا، منقذا معظم المسلمين من فناء محقق (?) ، ولم يخسر