في المدينة، وليس لأنهم يقبلون تعاليم القرآن بأكملها. وبعضهم كانوا مسلمين حقا.. ومن الممكن أيضا أن يكون محمد، نوعا ما، حاملا للأفكار اليهودية المسيحية في القرآن، بألفاظ عربية جاهلية، ولهذا أساء فهمها- كما يقول كايتاني ولكن المدنيين الذين كانوا يدافعون عن محمد كانوا يفهمون مبادىء الإسلام الأساسية ويؤمنون بها. فالله خالق الكون وسيّد العالم، وهو الحكم في اليوم الأخير، ومحمد حامل رسالة الله إلى العرب. وكان المسلمون يقيمون مجتمعا جديدا في المدينة، وكان هذا المجتمع يتطلب أساسا فكريا واضحا ومحددا. ومن الممكن أن يكون القليل من المسلمين في المدينة يدفعه حماس ديني قوي ولكنهم كانوا جميعا مؤمنين بالروابط الدينية ليشاركوا في بناء مجتمع يقوم على هذه الروابط بدلا من روابط النسب» (?) .
ويحضرنا، ونحن نعرض لتناقض المستشرقين في مسألة الأخذ عن الصحف القديمة، قول جواد علي بهذا الصدد «لا أهمية ولا معنى لقول شپرنكر أن محمدا قرأ وأخذ من مصدر آخر هو (صحف إبراهيم) المذكورة في القرآن الكريم. وقد ردّ على هذا الرأي نولدكه بقوله (لو فرضنا أن محمدا أخذ من هذه الصحف ونسبه لنفسه وادعاه على أنه وحي أوحى الله به إليه، لو فرضنا ذلك، فإن من غير المعقول عندئذ ذكر محمد لتلك الصحف في القرآن، لأن ذكرها فيه معناه إرشاد الناس إلى المورد الذي أخذ منه واتهام نفسه، ولهذا لا يعقل الأخذ بكلام شپرنكر) » (?) .
ونمضي مع وات لنراه يقول في مكان آخر «لم يكن الإسلام.. حركة رجال من طبقة مستضعفة من حثالة الناس أو من طفيليين صعاليك حطوا رحالهم في مكة، ولم يستمد الإسلام قوته من رجال الدرجة السفلى من السلم الاجتماعي، بل من أولئك الذين كانوا في الوسط وأدركوا الفرق بينهم وبين أصحاب الامتيازات في الذروة، فأخذوا يقنعون أنفسهم بأنهم أقل امتيازا منهم، فنشأ صراع ليس بين الملاكين والمعوزين، بل بين الملاكين والذين هم أقل منهم» (?) .