والمدينة إلى أن يستأصل أسباب الشر الاجتماعي، ويقتل جميع جراثيمه، كما يحاول أن يفعل اليوم جماعة الاشتراكيين على اختلاف أسمائهم ونزعاتهم، بل كانت غايته الكبرى أن يخفف من وطأة تلك الأمراض على بعض طبقات الناس ممن خلقوا بعد قسمة الأرزاق أو وقعوا في الفقر والرق لأسباب لم يقو على مقاومتها، وإلا فلو أراد أن يقتل جراثيم الأمراض الاجتماعية كلها لكان لجأ بعد أن أصبح صاحب الأمر والنهي في جزيرة العرب، إلى وسائل غير تلك التي ذكرناها. وما مثل النبي من هذا الوجه إلا كمثل سائر الأنبياء الذين سبقوه، ولا سيما أنبياء بني إسرائيل، أي أنه فضّل استعمال الوسائل الأدبية- إلا فيما ندر من الظروف- على غيرها من الطرق التي لجأ إليها بعصرنا بعض مصلحي وسياسيي أوروبا كلينين وموسوليني وغيرهما.. وعليه يمكننا أن نقول إن محمدا أجاد في وصف الأمراض الاجتماعية العربية وتعدادها أكثر منه في علاجها واستئصال جراثيمها..» (?) .
مونتكمري وات: «إن زيارة محمد لحراء، وهو جبل قريب من مكة، بصحبة عائلته أو بدونها، ليست مستحيلة، ويمكن أن يكون ذلك للفرار من أتون المدينة خلال فصل الصيف للذين لا يستطيعون التوجه إلى الطائف، ويمكن للتأثير اليهودي- المسيحي ولا سيما مثل الرهبان، أو تجربة شخصية لمحمد، أن يكون قد أثار فيه الحاجة للخلوة والرغبة فيها» (?) .
«تعتبر كلمة ناموس عادة مشتقة من كلمة Nomos اليونانية، وهي تعني إذن (الشريعة) أو (الكتب المقدسة) ، وهذا يتفق تماما مع ذكر موسى. وقد أبدى ورقة ملاحظة، بعد أن أخذ محمد يتلقى الوحي، وهي تعني أن ما نزل على محمد مماثل لكتب اليهود والمسيحيين المقدسة. كما أن محمدا سمع ما يوهمه بأنه مؤسس أمة ومشرع لها. وإذا كان محمد، كما يبدو، مترددا بطبعه، فإن هذا التشجيع بإقامة بناء ضخم على تجاربه يرتدي أكبر أهمية لتطوره الداخلي.. وقد تأثرت التعاليم الإسلامية اللاحقة كثيرا بأفكار ورقة» (?) .
وفي مكان آخر من كتاب وات نقرأ هذه العبارات «ادعى كايتاني أن سكان المدينة رضوا بمحمد ككاهن أعلى فقط لأنهم كانوا بحاجة إلى الاستقرار الداخلي