قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد والله صدق ابن رواحة (?) .

غادر المسلمون معسكرهم في معان وانطلقوا شمالا حتى إذا بلغوا تخوم البلقاء لقيتهم جموع الروم والعرب في قرية من قرى البلقاء تدعى مشارف، فانحازوا صوب قرية مؤتة، وهناك عبأوا أنفسهم فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يسمى عباية ابن مالك وبدأ القتال المرير. وانطلق زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل حتى شاط في رماح القوم وغرق بدمائه، فتسلّم الراية جعفر بن أبي طالب ذو الثلاث والثلاثين سنة من العمر وانطلق يقاتل حتى إذا أحاط به العدو من كل مكان وسددوا إليه ضرباتهم، اقتحم عن فرسه الشقراء وضرب قوائمها بالسيف وراح يجالد القوم وهو ينشد:

يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها

والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها

علي إذ لاقيتها ضرابها

كان جعفر يحمل الراية بيمينه فلما قطعوها أخذها بشماله، فلما قطعوها احتضنها بعضديه حتى قتل في أعقاب ضربة من جندي رومي قطعته نصفين، فانقض عبد الله بن رواحة وحمل الراية وتقدم بها على فرسه. وفي موجة من الرعب الذي لا يرحم، منبثقا هذه المرة أيضا عن انفعالية الشعراء وتأرجحهم النفسي، وحساسيتهم، تردد عبد الله بعض التردد إلا أنه ما لبث أن تفوق على خوفه وتردده، ونزل عن فرسه لكي يشتبك بأعداء الله وهو ينشد:

أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلنه أو لتكرهنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنة (?) ... ما لي أراك تكرهين الجنة؟

يا نفس إلّا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت ... أن تفعلي فعلهما هديت

وأتاه ابن عم له بقطعة لحم وقال: شد بها صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت!! فأخذها منه واقتطع منها مضغة لكنه ما لبث أن سمع احتدام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015