حتى يقال، إذا مروا على جدثي، ... يا أرشد الله من غاز وقد رشدا

وعندما ودعهم الرسول صلى الله عليه وسلم وانصرف راجعا أنشد ابن رواحة:

خلف السلام على امرىء ودعته ... في النخل خير مشيع وخليل (?)

مضت قوات المسلمين حتى بلغت معان جنوبي الأردن، فعسكرت فيها، وبلغ قادتها هناك أن الأمبراطور البيزنطي قد سمع نبأ التحرك الإسلامي فتقدم على رأس مائة ألف من الروم- فيما تذكر الروايات- وعسكر في ماب من أرض البلقاء. ويذكر المسعودي أن هرقل كان مقيما آنذاك في أنطاكية وأنه ولّى قيادة جيشه تيادوتس البطريق (?) ، ويؤكد بروكلمان ما ذهب إليه المسعودي مصححا اسم القائد البيزنطي (ثيودورس) (?) . وفي ماب التحقت بالقوات البيزنطية القبائل العربية الموالية من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلى، قادهم شرحبيل بن عمرو الغساني وبلغوا- فيما تذكره الروايات- مائة ألف. ولا ريب أن المبالغات التي أعقبت هذه المعركة التي انسحب فيها المسلمون كثرت من عدد العدو وجعلته يبلغ هذا الرقم الخيالي، وإن كان بمستطاع القبائل العربية الضاربة في المنطقة أن تهرع لنجدة سيدها بعشرات الآلاف من المقاتلين (?) .

ظل المسلمون معسكرين في معان طيلة ليلتين، يتدبرون أمرهم، وقال بعضهم: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له. إلا أن عبد الله بن رواحة اندفع بفورة حماس يعرفها جيدا من يعيش فورات التجربة الشعرية وانفعاليتها مقترنة بزخم إيماني لا ترده رؤية أو تمهل، راح ينادي أصحابه: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة!! وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذين أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة!! فأجابه الناس الذين لم يعرفوا خوفا يوما أو تراجعا، والذين يدركون جيدا كم هو عظيم الهدف الذي خرجوا من أجله، وكم هي غالية (الشهادة) على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015