أمرائها من دعاة الإسلام ورسلهم إلى الشام. وكانت حادثة مقتل الحارث بن عمير الأزدي مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ملك بصرى على يد شر حبيل بن عمرو الغساني في مؤتة هي التي استفزت الرسول صلى الله عليه وسلم لتأديب عرب الشمال الموالين للبيزنطيين (?) ، فجهز جيشا كبيرا- نسبيا- يبلغ ثلاثة آلاف مقاتل ولى قيادته زيد بن حارثة (?) وأمره بالانطلاق صوب الشمال لتأديب القبائل العربية على فعلتها- إن لم تستجب لدعوة الإسلام- وإشعارها بقوة الدولة الإسلامية وقدرتها على ردع الغادرين والمعتدين الذين يرون في الحماية البيزنطية سببا يدفعهم إلى الجرأة والعدوان، ولاستطلاع قوة وكفاية وطبيعة الأرض هناك.
ونظرا لبعد الطرق واحتمال مجابهة قوى كثيرة العدد، ألحق الرسول صلى الله عليه وسلم بقائد الجيش قائدين احتياطيين هما جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، يتوليان الأمر، أحدهما بعد الآخر، في حالة إصابة القائد الأول، مما يدل على مدى بعد النظر الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتمتع به. ومن السذاجة أن يتبادر إلى الأذهان أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم مسبقا المصير الذي كان ينتظر أعزّ أصحابه، فلم يعرف عنه أبدا أنه ساق أتباعه إلى حتوفهم أو رمى بهم في عمليات ينتحرون فيها. كل ما هنالك أن كثرة مشاغله منعته من قيادة الجيش بنفسه، ومن أجل ضمان وحدة قواته ومنعا للفوضى والاضطراب في أرض متطرفة شمالا، عين هؤلاء القادة الاحتياطيين (?) .
خرج المسلمون في جمادى الأولى، رجالا ونساء وأطفالا، لتوديع المقاتلين الذاهبين إلى أقصى الشمال، وتعالت أصواتهم (صحبكم الله ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين) ، وراح عبد الله بن رواحة الشاعر ينشد:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرع (?) تقذف الزبدا (?)
أو طعنة بيدي حرّان مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا