وانطلق شجاع بن وهب إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني أمير دمشق، يحمل كتابا جاء فيه «سلام على من اتبع الهدى وآمن به. إني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى لك ملكك» . فماذا كان جواب الأمير الذي يتعاطى العمالة والتبعية لسيده البيزنطي؟ «من ينزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن» وأمر بإعداد الخيول، ثم قال للرسول: أخبر صاحبك ما ترى، كما كتب إلى قيصر يطلعه على ما جرى وما اعتزم عمله، فكتب إليه قيصر ألا تسير إليه، وأله عنه، ووافني بإيلياء (?) .
ولم يستطع الحارث- بالطبع- أن يتحرك ضد المسلمين لأن أمره ليس بيده ولأن سيده البيزنطي كان أكثر ذكاء منه فلم يتحرك إلا بعد حوالي السنتين، وبعد أن تأكد من طبيعة الدولة الجديدة في الجنوب وأدرك أبعادها الحقيقية.. لكن (الصغار) كثيرا ما يندفعون أمام (الكبار) ويجاوزونهم خطوات وخطوات، ملتفتين إليهم بين الحين والحين بإعجاب، لكي يحظوا بتشجيعهم وهداياهم!
وإلى النجاشي، حاكم الحبشة، بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ليتكلم معه بشأن المهاجرين، وليدعوه في الوقت نفسه إلى الإسلام، حاملا معه كتابيه بهذا الشأن وقد جاء في كتاب دعوته إلى الإسلام «.. من محمد رسول الله إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة. سلم أنت، فإني أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه. وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والولاء على طاعته، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وقد بعثت إليك ابن عمي جعفرا ونفرا معه من المسلمين، فإذا جاؤوك فأكرمهم، ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله، فقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي، والسلام على من اتبع الهدى» (?) .
ويحدثنا ابن إسحاق وابن سعد كيف أن النجاشي تقبّل الرسالة بقبول حسن وأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم برسالة رقيقة يعلن فيها إسلامه وأن ما قاله في عيسى عليه