السلام هو الصدق والحق. وأنه قد استضاف ابن عمه وأصحابه على الرحب والسعة.. ويختم رسالته قائلا: «وقد بايعتك وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين. وقد بعثت إليك بابني أرها بن الأصحم.. وإن شئت أن أتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك يا رسول الله» . ويختتم ابن إسحاق حديثه قائلا: «وقد ذكر لي أن النجاشي بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة، فإذا كانوا في وسط البحر غرقت بهم سفينتهم فهلكوا» (?) ، ولا يوجد من الوقائع والأدلة والروايات الآخرى ما يؤيد هذا الذي ذهب إليه ابن إسحاق.. وربما يكون موقف النجاشي الودي، سواء من مهاجري المسلمين أو خطبة الرسول لأم حبيبة بنت أبي سفيان، أو الرسالة التي دعاه فيها إلى الإسلام، هو الذي دفع إلى المبالغة في تقدير موقفه الطيب وإيصاله حد إعلانه الإسلام.
وإلى المقوقس حاكم مصر القبطي انطلق حاطب بن أبي بلتعة، فاستقبله استقبالا حسنا لا يقل كرما وطيبة عن استقبال زميله الحبشي لمبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم وجرى حوار بين حاطب والمقوقس قال فيه حاطب: إن هذا النبي دعا الناس، فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى. وما بشارة موسى بعيسى عليه السلام إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل. وكل نبي أدرك قوما فهم أمته، فحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكننا نأمرك به.
وقد أعرب المقوقس عن موقفه الودي من الرسول بأن بعث إليه رسالة جاء فيها: «لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليكم، أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وتدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك وبعثت لك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط، وبثياب، وأهديت لك بغلة تركبها» . وقد دعا حاطب- في طريق عودته الجاريتين مارية وأختها سيرين إلى الإسلام فأسلمتا. وردا على هذا الموقف الطيب تقبل الرسول الهدية وتزوج مارية التي ولدت له- فيما بعد- إبراهيم،