من النصارى تسكن في مكان يقال له سوق النبط (?) .

إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الجالية النصرانية في المدينة لم تكن ذات شأن وكيان يؤدي إلى أن يقع بينها وبين النبي والمسلمين صدام، وأن يصدر عنها مواقف عملية مؤذية وخطرة كما كان شأن اليهود، ومن ثم فإن الآيات التي وردت في حالة النصارى والتنديد بهم- مع ما في بعضها من عنف- إلا أنه لا يمكن أن تنعقد أية نسبة بينها وبين ما جاء في حق اليهود. هذا إلى أن هناك آيات تحتوي ثناء محببا عليهم وعلى أخلاقهم ومواقفهم مما يلهم أن الذين لقيهم النبي منهم في المدينة كانوا دمثي الأخلاق ليني الجانب غير جانحين إلى عنف وكيد (?) .

وبمرور الوقت واتساع نفوذ الإسلام شمالا، ووصول أنباء انتصاراته على الوثنية واليهودية إلى قبائل الشمال.. بدأ المعسكر البيزنطي يفتح عينيه على الخطر المحدق بوجوده من جهة الجنوب. وأغلب الظن أن الأمبراطور البيزنطي وكبار قادته تصوروا الأمر- في بدايته- مجرد اندفاع قبلي كبير صوب الشمال، أو محاولة إمارة عربية ناشئة توسيع رقعتها الجغرافية كما كانت تفعل إمارة (كندة) أو (تدمر) على سبيل المثال، ورأوا أن بإمكان حلفائهم العرب أنفسهم أن يكفوا الدولة البيزنطية عناء وقف هذا الامتداد، وصد هذه الإمارة الطموحة عن الامتداد إلى الشمال.

أكثر من هذا أنهم اعتقدوا أن بإمكان قبيلة من أتباعهم أن تتحرك صوب الجنوب- بإشارة من سادتها- لتضرب القوة الجديدة في قاعدتها نفسها وتقصم ظهرها.. وأغلب الظن أيضا أن هذا الاعتقاد هو الذي دفع القبائل القاطنة في دومة الجندل، في أقصى الشمال، والتي يتزعمها أكيدر بن عبد الملك الكندي الذي يدين بالنصرانية ويخضع لهرقل، إلى أن تتجمع وتتهيأ في زحف سريع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015