لضرب المسلمين في المدينة (في ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة) ، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ زمام المبادرة، وتحرك بسرعة صوب الشمال، على رأس ألف من أتباعه، معتمدا أسلوب (إضرب قبل أن تضرب) . ومن أجل أن يباغت القوم في ديارهم أخذ يسير بأصحابه ليلا ويمكن نهارا، حتى اقترب من هدفه فجعلت القبائل العربية القاطنة هناك تهرب من بين يديه لا تلوي على شيء. وبعد أن بث سراياه في المنطقة قفل الرسول صلى الله عليه وسلم عائدا دون أن يلقى من العدو كيدا (?) .
وهكذا يمكن اعتبار غزوة (دومة الجندل) هذه أول حلقة في سلسلة الصراع الحربي بين عالمي الإسلام والنصرانية، يؤكد هذا ما ذكره الواقدي من أنه قيل للرسول صلى الله عليه وسلم وهو بصدد مهاجمة دومة الجندل: إنها طرف من أفواه الشام فلو دنوت لها لكان ذلك مما يفزع قيصر (?) .
ولم يمض سوى عام وبعض عام حتى قام الرسول صلى الله عليه وسلم بإرسال عبد الرحمن بن عوف (في شعبان من السنة السادسة) لقتال قبيلة كلب النصرانية في نفس المنطقة وقال له: (اغز باسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدا) ، وطلب منه أن يتزوج ابنة ملكهم إن استجابوا له، تعزيزا للعلاقات بين الطرفين وكسبا لودّ هذه القبيلة الموالية للعدو البيزنطي.
فتقدم عبد الرحمن إلى دومة الجندل، ومكث هناك ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، أميرهم النصراني، وأسلم معه ناس كثير من قومه، بينما وافق الآخرون على الاستمرار في دفع الجزية مع البقاء على دينهم. ونفذ عبد الرحمن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتزوج تماضر ابنة الأصبغ وقدم بها إلى المدينة (?) .
وقد كان من نتائج هذين الانتصارين أن أدركت القبائل الضاربة هناك أن حجم القوة الإسلامية وقدرتها على التحرك أكبر مما كانت تظن، وربما بلغ ذلك القيادة البيزنطية نفسها فكفت عن تكرار المحاولة، ردحا طويلا من الزمن، أتاح للمسلمين تحقيق انتصارهم على الوثنية، في صلح الحديبية، وتصفية المواقع