يقول محمد الغزالي بهذا الصدد: «ليعلم من يشاء أن تشريع قانون بمحو الوثنية كتشريع قانون بمحو الأمية، عمل إنساني نبيل. وإن اعتراضا عليه لا يصدر من رجل يؤثر الخير للأمم ويتمنى لها السمو والكرامة، وبحسب الإسلام أنه ظل اثنين وعشرين عاما يحارب الخرافة بالتعليم والتربية كلما أتيحت له فرص لنشر المعرفة وغرس الأدب، وبالقصاص والقتال كلما وقف في طريقه الجهال والضلال يبطلون سعيه أو يصدون عنه. وقد منح الإسلام الوثنية أول الأمر حق الحياة، وترك من يرتد عنه يرجع إليها إذا شاء، ولم يفعل ذلك إعزازا لها، إنما هو حسن ظن بعقل الإنسان وضميره.. فلما تبين أن الوثنيين يستخفون بكل شيء وأنهم يستغلون الحق الممنوح لهم في الفتنة والعدوان والقتل، لم يبق لتركهم من حكم.. ومن ثم نزل الوحي يعالن المشركين بالقطيعة ويرفض منهم كل اعتذار ثم يسرد ما أسلفوا من سيئات على أنه خليقة فيهم لم ينفكوا عنها يوما ولا يرجى أن ينفكوا عنها أبدا» (?) .

إن مكة قاعدة الوثنية سقطت، وأصبحت الدولة الإسلامية هي القوة السياسية المتفردة في زعامة الجزيرة، فلا بد من تحديد جميع سكانها موقفهم في الولاء. فأما أهل الذمّة فكانت الجزية رمز انتمائهم وولائهم، وأما العرب فقد أعلنت معظم قبائلهم في عام الوفود وقبله عن انتمائها للدولة والدين الجديد، ولم يتبق إلا قلة كان لا بد من توجيه نداء إليها لتحديد موقفها. ووجود فئة لا تدين بمبادىء الدولة ولا تخضع لقوانينها أمر بالغ الخطورة في كيان الدولة الداخلي، وكان لا بد أن يخضع هؤلاء الناس لنظام الدولة أو يحاربوه، بمعنى أن يوضعوا في حكم الأعداء، ولكنهم أعداء داخليون يترتب على عدوانهم خطر كبير على كيان الدولة، ومن هنا لم يقبل الإسلام منهم إلا الدخول فيه. وليس للمشركين ديانة تحترم ولا مثل تفرض هذا الاحترام كأصحاب الديانات السماوية الآخرى التي اعترف بها الإسلام واعتبر الدين وحدة واحدة (?) .

وواضح أنه لا يرد أي معنى من معاني مصادرة الحرية الدينية في هذه المقاطعة والحظر لأن البيت الحرام قد أصبح طاهرا من مظاهر الشرك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015