أن يفتتحها عنوة، ولم يأمر بهجوم حاسم عليها، كما حدث في العام الماضي مع حصون خيبر على سبيل المثال، واكتفى بأن يدير القتال على أضيق نطاق، بحيث أن جميع من استشهد من أصحابه خلال الحصار لم يتجاوزوا اثني عشر رجلا (?) ، ومن ثم أمر أن يؤذن في الناس بالرحيل، فقفل المسلمون عائدين، بعد بضع وعشرين يوما من الحصار، إلى الجعرانة حيث جمعت السبايا والغنائم الكثيرة في أعقاب حنين: ستة آلاف رأس من السبي، وأربعة وعشرون ألف بعير، وأربعون ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية من الفضة. ولم يتسرع الرسول صلى الله عليه وسلم في توزيعها أملا في أن يعود قادة هوازن مسلمين فيرد عليهم سبيهم وأموالهم، ولكنهم لم يجيئوا إلا بعد انتظار طويل وزعت خلاله المغانم. وفي الجعرانة التقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا له: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك، فامنن علينا منّ الله عليك. فسألهم الرسول: أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم، فأجابوه: نساؤنا وأبناؤنا، فردهم إليهم عن طيب خاطر من المسلمين، وسألهم أن يخبروا زعيمهم مالك بن عوف الذي كان قد احتمى بالطائف أنه إن جاء مسلما ردّ عليه الرسول أهله وماله، فاستجاب مالك لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وتسلل من الطائف حيث قدم عليه معلنا إسلامه، فرد عليه الرسول أهله وماله واستعمله على من أسلم من قومه والقبائل المجاورة. فأخذ مالك يداهم ثقيفا بمسلمي قومه، ويهاجم قطعانهم وقوافلهم حتى ضيق عليهم (?) .
وبذلك حقق الرسول صلى الله عليه وسلم هدفين اثنين بسياسته المرنة هذه أولهما كسب قبيلة هوازن ذات الشوكة وحلفاءها إلى معسكر المسلمين، وثانيهما اتخاذها رأس حربة يضرب بها بقايا القوى الوثنية في المنطقة.
بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مهمة توزيع الغنائم على جنده وأتباعه. وناداه الأعراب: يا رسول الله، أقسم علينا من الإبل والغنم، وازدحموا عليه حتى ألجؤوه إلى جذع شجرة اختطفت عنه رداءه فقال: ردّوا عليّ ردائي أيها الناس فو الله إن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته عليكم، ثم ما ألفيتموني بخيلا