ولا جبانا ولا كذابا. ثم تقدم إلى بعير قريب منه فاستل منه وبرة جعلها بين إصبعيه ثم رفعها وقال: (أيها الناس، والله ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة، إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) !! ثم راح يوزع الغنائم، مختصا بقسمها الأكبر زعماء القبائل العربية التي أسلمت أخيرا من أجل أن يتألفهم وقومهم بها، فأعطى كل واحد منهم عشرات من الجمال. وعندما رأى الأنصار أن الغنائم قد حجبت عنهم، وانصبت بين أيدي قريش وقبائل المنطقة وجدوا في أنفسهم، وتناوشتهم الظنون، فراحوا يتهامسون بها، وقال قائلهم: لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، ولم يشأ زعيمهم سعد بن عبادة إلا أن يصارح الرسول بما يدور بين أتباعه، فسأله الرسول: فأين أنت من ذلك يا سعد؟ أجاب: يا رسول الله ما أنا إلا من قومي، فقال له الرسول: فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة.
وقف الرسول صلى الله عليه وسلم في جموع الأنصار خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
(يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا:
بلى، والله ورسوله أمنّ وأفضل. قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المن والفضل. قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم:
أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فاويناك، وعائلا فاسيناك. أو؟؟ جدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت أمرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار! اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) .
فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا (?) .
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرقوا وهم يعلمون يقينا البعد الحقيقي للدرس الذي منحهم إياه نبيهم ومعلمهم.