ولّد سقوط مكة قاعدة الوثنية رد فعل عنيف لدى القبائل العربية في الشمال وعلى رأسها هوازن وثقيف، ورأت أن تتحرك لتوجيه ضربة قاصمة للقوات الإسلامية قبل أن يستفحل الخطر وتجد هذه القبائل نفسها محاطة من كل مكان.
إذ أن السكوت إزاء ما يحققه المسلمون من انتصارات، يعني فتح الطريق أمامهم لتغطية الجزيرة كلها بدينهم الجديد، واكتساح مواقع الوثنية واحدة واحدة، سيما وأن (أم القرى) قد ألقت السلاح دونما قتال أو مقاومة، هذا إلى أن هذه القبائل كانت- لدى سماعها بمغادرة الرسول المدينة على رأس قواته- قد تجمعت خوفا من أن يغزوها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال زعماؤها بعد فتح مكة: «قد فرغ لنا، فلا ناهية له دوننا، والرأي أن نغزوه» .
وتولت هوازن كبر المحاولة حيث جمعها زعيمها مالك بن عوف النصري وانضمت إليها ثقيف كلها، ولحق بهما بعد قليل قبائل نصر وجشم وسعد بن بكر وعدد من أبناء بني هلال وبني مالك، واتفق قادتهم على أن يسلموا بزعامة مالك ابن عوف، فرأى هذا أن يسير مع المقاتلين، نساؤهم وأطفالهم وأموالهم كي يستميتوا في القتال ... وعندما عسكر في أوطاس، أحد وديان هوازن، اعترض دريد بن الصمة الجشمي على رأي مالك في جلب النساء والأطفال والأموال، وسأله لم ذاك؟ فأجاب مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال دريد وهو شيخ كبير مجرب: راعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك. فرفض مالك الأخذ برأيه أنفة واستعلاء ونادى قومه: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد (?) .
عندما سمع النبي صلى الله عليه وسلم نبأ هذا التحرك الوثني بعث أحد أصحابه مستخبرا، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم. فتسلل الرجل إلى مواقع العدو وعاد ليخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما أجمع عليه هؤلاء من قتال المسلمين. فانطلق الرسول صلى الله عليه وسلم في مطلع شوال على رأس اثني عشر ألف مقاتل كان من ضمنهم ألفان من المكيين أسلموا بعد الفتح. وسرعان ما وجد المسلمون أنفسهم مضطرين إلى اجتياز واد من أودية تهامة، شديد الانحدار يدعى حنينا، في