هذا وتقبل على الإسلام طائعة وتحمل رايات الجهاد لو لم تعامل هذه المعاملة السلمية التي لم تكن تتوقعها، وبذلك انقلب موقفها من أشد الناس عداوة للإسلام إلى أحرص الناس على رفع راية الإسلام (?) .
جلس الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده وقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فلما جيء به، قال له: هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم برّ ووفاء (?) . وأمر مؤذنه بلالا أن يصعد فيؤذن في الناس معلنا بشهادته انتهاء عهد الوثنية في مكة، قلب الوثنية، وبداية عهد جديد لا يعبد فيه غير الله، وفق التعاليم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: العبادة التي تحرر الإنسان وتباركه وتزكيه وتقوده إلى الفلاح الواحد في الدنيا والآخرة وترفع رأسه فلا يعود ينخفض مرة أخرى لقوة في الأرض بشرا كانت أم حجارة صماء (?) .
وفي يوم الفتح هذا يقول الغزالي: «ترجع بنا الذكريات إلى رجال لم يشهدوا هذا النصر المبين، ولم يسمعوا صوت بلال يرن فوق ظهر الكعبة بشعار التوحيد، ولم يروا الأصنام مكبوبة على وجوهها.. إنهم قتلوا أو ماتوا إبان المعركة الطويلة التي نشبت بين الإيمان والكفر، ولكن النصر الذي يجني الأحياء ثماره اليوم لهم فيه نصيب كبير وجزاؤهم عليه مكفول عند من لا يظلم مثقال ذرة. إنه ليس من الضروري أن يشهد كل جندي النتائج الأخيرة للكفاح بين الحق والباطل، فقد يخترمه الأجل في المراحل الأولى وقد يصرع في هزيمة عارضة كما وقع لسيد الشهداء حمزة ومن معه. والقرآن الكريم ينبه أصحاب الحق إلى أن المعوّل في الحساب الكامل على الدار الآخرة لا على الدار الدنيا فهناك الجزاء الأوفى للمؤمنين والكافرين جميعا فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (?) .