ينحرون ويحلقون وهم يتميزون غيظا وألما حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما (?) ، دون أن يدركوا أن الصلح الذي تمخض عن مرونة الرسول وتنازله عن بعض الشكليات في صياغة الوثيقة وبنودها كان أكبر فتح في تاريخ الدعوة الإسلامية منذ انبعاثها قبل تسع عشرة سنة، وأن الرسول بموقفه ذاك قد فتح طريقا جديدا أمام الحركة الإسلامية أوصلها إلى آفاق جديدة ومساحات واسعة لم يكن أحد من المسلمين يطمع في الوصول إليها قبل مرور سنين وسنين.
وفي طريق العودة نزلت آيات القرآن الكريم لتؤكد البعد الحقيقي للصلح مع زعيمة الوثنية إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (?) ، وتستطرد الآيات الكريمة مؤكدة دخول المسجد الحرام عما قريب وتحقق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم التي تجيء دوما كفلق الصبح: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (?) .
ولم يكن هذا الفتح كما يقول ابن هشام سوى صلح الحديبية:
[فما فتح في الإسلام.. يقول الزهري.. فتح قبله كان أعظم منه. إنما كان القتال حيث التقى الناس ... فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا فلم يكلم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه ... ولقد دخل في تينك السنتين مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر] بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج في فتح مكة بعد سنتين على رأس عشرة آلاف رجل (?) .
وما من شك أن مجرد دخول قريش في عهد مع المسلمين يمثل اعترافا منها