رسوله إنما هناك (الهدف) الذي يفرض أحيانا (وقفة) ضد الأعراف والظروف و (تمردا) عليها و (انقلابا) شاملا على مواضعاتها، وهذا ما يبدو واضحا منذ أول لحظة، في الشعار الحاسم الذي طرحه الرسول صلى الله عليه وسلم بوجه الجاهلية (لا إله إلا الله!!) ، فأي ظرف راهن، موقوت، أوحى بهذا الشعار الانقلابي الشامل الذي جاء يدمر على الوجود الجاهلي جلّ قيمه وأهدافه ومعالمه ومفاهيمه وعاداته وتقاليده؟!
إن توماس أرنولد يشير إلى ذلك بوضوح عندما يقول «لا يعزب عن البال كيف ظهر جليا أن الإسلام حركة حديثة العهد في بلاد العرب الوثنية، وكيف كانت تتعارض والمثل العليا في هذين المجتمعين تعارضا تاما. ذلك أن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدل على مجرد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب وإنما كان انقلابا كاملا لمثل الحياة التي كانت من قبل ...
والواقع أن المبادىء الأساسية في دعوة محمد كانت تعارض كثيرا ما كان ينظر إليه العرب نظرة ملؤها التقدير والإجلال حتى ذلك الحين، كما أنها كانت تعلّم حديثي العهد بالإسلام أن يعدوا من الفضائل صفات كانوا قبل إسلامهم ينظرون إليها نظرة الاحتقار» (?) .
إن القرآن الكريم كان قضية فوقية جاءت آياته لتقود الإنسان في كل زمان ومكان إلى عصر جديد، ولم يكن (ينفعل) انفعالا مؤقتا بالوضع السائد، سلبا وإيجابا، كما يتصور معظم المستشرقين مسيحيين وماركسيين، وإنما كان ينظر نظرة شمولية بعيدة كل البعد عن ردّ الفعل المباشر، وهذا هو الذي يفسر لنا الكثير من الأخطاء التي مارستها مناهج البحث الغربية.
ونحن لا نطلب من الغربيين هنا أن يؤمنوا أن القرآن منزل من السماء وأن محمدا رسول.. وإنما نطلب أن يكونوا أكثر تجرّدا وموضوعية فينظروا إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كوحدة عضوية متكاملة، وإلى القرآن الكريم كبرنامج Ideology مترابط، تعلو معطياته على الظروف الموقوتة زمانا ومكانا، رغم ملامساتها اليومية المباشرة للوقائع الزمانية والمكانية، ولكنها الملامسة التي تنبثق عنها قيم ودلالات