ألا ليت شعري هل ابيتنّ ليلة ... بفخ وحولي أذخر وجليل؟

وهل أردنّ يوما مياه مجنّة ... وهل تبدونّ لي شامة وطفيل؟

وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يجيب على السؤال ويعلن- في ذي القعدة- أنه سيتجه إلى مكة معتمرا، لا يريد حربا، ويستنفر العرب وأهل البوادي من حوله ليخرجوا معه، ويخشى أن تعرض له قريش بحرب، أو تصده عن البيت (?) .

أبطأ كثير من الأعراب عن الاستجابة لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم تخوفا من نشوب قتال مع قريش لا يهمهم من قريب أو بعيد، وانطلق المهاجرون والأنصار، ومن لحق بهم من مسلمي المناطق المجاورة، يسوقون الهدي صوب مكة، وأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم باستبدال ملابسهم بثياب الإحرام، ليأمن الناس الحرب، وليعلمهم أنه إنما خرج زائرا لبيت الله الحرام ومعظما له. وعندما بلغ المسلمون عسفان، الواقعة على بعد مرحلتين من مكة، لقيهم من يقول لهم إن قريشا قد خرجت بمقاتليها وفرسانها لمجابهة المسلمين ومنعهم من دخول مكة مهما كان الثمن!! فكان جواب الرسول: (يا ويح قريش!! لقد أكلتهم الحرب. ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوه، وأن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة. فما تظن قريش؟ فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة) . وطلب من أحد الأدلّاء أن يقودهم، عبر طرق غير مسلوكة، إلى مكان آخر تجنبا للصدام مع قريش، فقادهم الدليل في أراض وعرة، ومسالك جبلية، وانتهى بهم إلى أرض سهلة عند منعطف الوادي أسفل مكة تدعى الحديبية.

وعندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلّا أعطيتهم إياها) ، كان فرسان قريش يكرون عائدين اعتقادا منهم أن محمد صلى الله عليه وسلم اجتاح مكة عنوة (?) .

رأت قريش، وقد لمست رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم وإصراره على دخول مكة وأداء العمرة، أن تبعث إليه من يكلمه بالأمر ويقنعه بأن لا جدوى من محاولته تلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015