واعتقدت أن مجرد السماح للمسلمين بدخول بلدهم، بعد ذلك الصراع الحامي، يمثل هزيمة منكرة لقريش، زعيمة الوثنية، وتنازلا لخصومها كي يطؤوا حرمها المقدس ... وستقول العرب: لقد نكصت قريش عن حماية البيت الحرام، ولم تعط الأمر حقه، ثم ما تلبث أن تنصرف عنها.
كان بديل بن ورقاء الخزاعي أول سفراء قريش إلى معسكر المسلمين، فقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يصحبه رجال من خزاعة، فكلموه وسألوه: ما الذي جاء به؟
فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته (فمن صدّنا عنه قاتلناه) . فرجع بديل إلى قريش وقال: يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد، وأن محمدا لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا هذا البيت. فما كان من زعماء قريش إلا أن اتهموه وعنفوه وقالوا له: وإن كان جاء لا يريد قتالا، فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا، ولا تحدث بذلك عنا العرب. وما لبثوا أن بعثوا إلى المسلمين سفيرهم الثاني: مكرز بن حفص، الذي عاد بما كان رفيقه قد عاد به إلى زعماء قريش (?) .
وكان الحليس بن علقمة، سيد الأحابيش، السفير الثالث، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم مقبلا قال: إن هذا من قوم يتألّهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه، فلما رأى الهدي ينساب صوبه في عرض الوادي، قفل عائدا قبل أن يقابل الرسول صلى الله عليه وسلم إعظاما لما شهد، وأخبر القرشيين بالذي رأى، فقالوا له: اجلس، إنما أنت أعرابي لا علم لك!! فغضب عند ذاك وقال منددا: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم.. أيصد عن بيت الله من جاء معظما له؟ والذي نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد. فقالوا له: مه يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به. ثم ما لبثوا أن بعثوا سفيرهم الرابع: عروة بن مسعود الثقفي، وعندما جلس بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد، أجمعت أو شاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضّها بهم؟ إنها قريش قد خرجت، وقد لبسوا جلود النمور، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا. وأيم الله لكأنني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا! فعنّفه أبو بكر الذي كان يجلس وراء الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أنحن ننكشف عنه؟ وراح عروة يتناول