وعندما سمعت غطفان بما فعلت قريش قفلت هي الآخرى عائدة إلى بلادها (?) . ومد المسلمون أبصارهم فجر اليوم التالي إلى ما وراء الخندق فلم يروا أحدا فعرفوا آنذاك إن مقاومتهم التي جاوزت العشرين يوما قد آتت ثمارها، وأن إيمانهم قد صمد لأخطر محنة جابهوها طيلة حياة الكدح والمطاردة والحرب والكفاح.. ليس هذا فحسب، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلمهم أن الموقف العسكري إزاء الوثنية قد تبدل أساسا وانقلب من الدفاع إلى الهجوم فقال مخاطبا جموع المقاتلين عند الخندق: لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم (?) .

ومن الحق أن يعتبر ارتداد الأحزاب عن المدينة نصرا عظيما، ولا نرتاب في أنه كان ذا أثر كبير فيما تم من تعالي الإسلام وانتشار قوته ودعوته فيما بعد..

وإنه كان لهذا الارتداد أثره السلبي والإيجابي في آن واحد، إذ جعل العرب المتربصين والأعداء والمنافقين يرون في هذه النتيجة دلالة النصر الرباني والقوة المعنوية العظيمة فيقفون عند حدهم. ولم يفكر المكيون بعد بمتابعة عدوانهم (?) ، ولم يعد في الإمكان بعد هذا اليوم أن يتجمع خصوم المدينة على هذه الصورة، فقد أصبحت قريش تشك في ولاء القبائل العربية، كما أصبحت القبائل نفسها تشك في قدرة قريش وفي إمكانها التغلب على المسلمين (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015