فلما عاد الوفد الوثني وأخبر قريشا وغطفان بما دار من حديث مع بني قريظة ازداد يقين القبيلتين بما قاله نعيم بن مسعود وأرسلوا إلى بني قريظة: إنّا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا وقاتلوا. وعندما بلغ بني قريظة ذلك، قال زعماؤها: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن سنحت لهم الفرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل في بلدكم. فكان جوابهم لقريش وغطفان: إنّا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهائن، فأبى المشركون الاستجابة لطلبهم وتحقق بذلك هدف الرسول صلى الله عليه وسلم من تفتيت الجبهة الوثنية- اليهودية، وكان ذلك بداية النصر الذي بدأ يلوح في الأفق في أعقاب حصار جاوز العشرين يوما.

ولما كان المسلمون قد استكملوا جدهم في العمل والصمود فإن نصر الله المباشر سرعان ما تنزل رياحا شتائية شديدة البرودة سلطها الله سبحانه على معسرات المشركين فراحت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم وتنزع خيامهم، فلم يعد يقرّ لهم معها قرار.. وحينذاك بعث الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيا موثوقا من كبار أصحابه هو حذيفة بن اليمان لكي يتسلل إلى معسكرات المشركين ويطّلع على جلية الأخبار.

ويحدثنا حذيفة نفسه عن المهمة التي كلف بها: «دعاني الرسول صلى الله عليه وسلم ليلا وقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدث شيئا حتى تأتينا، فذهبت ودخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء. وقام أبو سفيان وقال: يا معشر قريش لينظر كل امرىء من جليسه؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان بجانبي فقلت له: من أنت؟

فقال: فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش والله إنكم ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام وأطلق عقال جمله، ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي ألاأحدث شيئا حتى آتيه ثم شئت لقتلته بسهم لكني عدت وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر..» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015