المدينة.. قريش وأحلافها من بني كنانة وأهل تهامة والأحابيش يقودها أبو سفيان ابن حرب، وغطفان يقودها عيينة بن حصن الفزاري، وبنو مرة يقودها الحارث بن عوف، واشجع يقودها مسعود بن رخيلة.. وما أن سمع الرسول صلى الله عليه وسلم أنباء التحرك الخطير حتى بدأ يخطط لصد أكبر هجوم على الإسلام منذ مولد الدعوة الإسلامية، وكان الأمر يحتم اتخاذ خطة دفاعية، فاستشار أصحابه ورسم معهم ما يجب عمله وهو يقضي فيما أشار به سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق لحماية الأجزاء الشمالية المكشوفة من المدينة.. أما الأجزاء الآخرى فكانت تتمتع بحصانة طبيعية حيث تمتد حرة واقم إلى الشرق، وحرة الوبرة إلى الغرب وتتكاثف أشجار النخيل إلى الجنوب.. وكان سائر المدينة فيما عدا جهة الشمال كما يقول ابن سعد: مشبكا بالبنيان فهي كالحصن (?) .. الأمر الذي جعل فكرة حفر الخندق أمرا يمكن تنفيذه قبل انقضاض الأحزاب..

قسم الرسول أصحابه إلى مجموعات كل منها تتكون من عشرة أشخاص كلفوا بحفر أربعين ذراعا.. وأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم مع سائر العاملين في حفر الخندق بهمة ودأب، وراح ينقل التراب مع أصحابه وينشد وإياهم وقد غطى التراب على بطنه وصدره:

لا همّ، لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الأولى لقد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا

وكلما وصلوا المقاطع الأخيرة مدها الرسول رافعا بها صوته (?) .. ويحدثنا أحد الصحابة الذين كانوا يعملون في الخندق فيقول: كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه ليضرب مرة بالمعول ومرة يغرف بالمسحاة التراب ومرة يحمل التراب في المكتل، وقد رأيته يوما بلغ منه فجلس صلى الله عليه وسلم ثم اتكأ على حجر على شقه الأيسر، فذهب به النوم فرأيت أبا بكر وعمر واقفين على رأسه يبعدان الناس أن يمروا به فينبهوه (?) ، وقد أدى هذا كله إلى جعل أصحابه يتفانون في العمل ولا يغادر أحدهم موقعه لقضاء حاجياته إلا بعد استئذان الرسول صلى الله عليه وسلم وما أن ينتهي حتى يعود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015