استصرخ عليهم بني عامر فلم يجيبوه، التزاما بجوار أبي براء، فاستصرخ بقبائل سليم المجاورة، فأجابوه وأحاطوا بالدعاة وهم في رحالهم، فهرعوا إلى سيوفهم، وقاتلوا القوم قتالا مريرا، حتى حصدوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد فقد انسحب جريحا من المجزرة، وتمكن من الوصول إلى المدينة حيث قتل شهيدا في الخندق (?) .
وكان الدعاة قد تركوا في سرحهم اثنين من رفاقهم هما عمرو بن أمية الضمري والمنذر بن محمد الأنصاري، فلم ينبههما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم حول العسكر، فأقبلا لينظرا فإذا إخوانهما يتضرجون بدمائهم، ومن حولهم المغيرون على خيولهم، فرأى عمرو أن يعود إلى المدينة، ليخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما حدث، وأما رفيقه فقد قال: ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، أحد أصدقائه، وما كنت لأبقى حتى تخبرني عنه الرجال، ثم انقض على القوم، حتى سقط، متضرجا بدمائه (?) .
وفي ذي القعدة من السنة الرابعة للهجرة، حل الموعد الذي ضربه المسلمون مع أبي سفيان للقاء جديد في بدر، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هناك على رأس ألف وخمسمائة من أصحابه، وأقام ثمانية أيام، ينتظر أبا سفيان، الذي كان قد غادر مكة على رأس مقاتليها، وعندما بلغ الظهران، بدأت تتناوشه المخاوف من لقاء المسلمين، وأخذ يفكر بالرجوع قائلا: يا معشر قريش، إنه لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون اللبن، وإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، فقفلوا عائدين إلى مكة.
وعندما أيقن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان قد نكل عن الموعد، عاد إلى المدينة، وقد حقق نصرا معنويا ضد قريش، كما عزز مكانة المسلمين في الصحراء بعدما تعرضت له من تأرجح في أعقاب أحد (?) .