ولذلك أيضا يحدثنا مجاهد بأن الملائكة حضرت معركة أحد لكنها لم تقاتل لما كان من المسلمين، كما يحدثنا عبد الحميد بن سهيل بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمد يوم أحد بملك واحد (?) ، هذا بينما كان مقاتلو بدر قد تلقوا ساعة الصمود والصبر معونة سماوية قدرت بالاف من الملائكة مردفين! كما تلقى الرجال الذين قاوموا وراء الخندق، فيما بعد، عشرين ليلة، باذلين كل جهدهم وإمكاناتهم، معونة إلهية أخرى جاءت على شكل ريح عاتية لم تدع للمعسكر الوثني، بعد التصدع النفسي الذي أصابه، فرصة للتجمع والتفكير والاستقرار، فكان الانسحاب ... ذلك هو منطق العون الإلهي الذي علمنا إياه الإسلام منذ تجربة الهجرة وما قبلها ... إن مدد الله لا يتنزل إلا على أولئك الذين استكملوا الأسباب البشرية جميعا ... حركة وعقلا وإرادة وتصميما، وبدون ذلك لن تتنزل معونة الله حتى لو حبسوا أنفسهم في المساجد ليلا ونهارا.
وجدت الوثنية العربية فرصتها للانتقام من المسلمين في أعقاب هزيمتهم في أحد وراحت توجه إليهم الضربات الغادرة كلما تمكنت منها، متجاوزة في ذلك أعرافها وقيمها الجاهلية التي درجات عليها مئات السنين.
فبعد وقت قصير من عودة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أحد قدم عليه وفد من قبيلتي عضل والقارة في صفر، وقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام.
فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم معهم سبعة من أصحابه ... مرثد بن أبي مرثد، خالد بن أبي البكير، معتب بن عبيد، عاصم بن ثابت، خبيب بن عدي، زيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق، وأمّر عليهم مرثد بن أبي مرثد (?) . فانطلق الدعاة يجتازون الصحراء حتى إذا بلغوا ماء الرجيع بين عسفان ومكة، حيث تقطن بنو هذيل، غدر بهم أعراب عضل والقارة، فاستصرخوا عليهم هذيلا، التي كان زعيمها سفيان بن خالد قد قتل على أيدي المسلمين في أعقاب أحد حيث حشد أتباعه للهجوم على المدينة، فلم يرع الدعاة إلا والرجال بأيديهم السيوف يحيطون بهم، فشهروا أسيافهم ليقاتلوهم فقال لهم رجال بني هذيل: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكن نريد