تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (?) . وأولو الألباب يستحيون أن يطلبوا السلعة الغالية بالثمن التافه، وهم يبدون استعدادهم للتضحية بأنفسهم لقاء ما ينشدون، بيد أن الاستعداد أيام الأمن يجب ألايزول أيام الروع. إن الإنسان في عافيته قد يتصور الأمور سهلة مبسطة، وقد يتأدى به ذلك إلى المجازفة والخداع، فليحذر المؤمن هذا الموقف وليستمع إلى تأنيب الله لمن تمنوا الموت ثم حادوا عنه لما جاء وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (?) ، ثم عاتب الله عز وجل من أسقط في أيديهم وانكسرت همتهم لما أشيع أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات. ما كذلك يسلك أصحاب العقائد، إنهم أتباع مبادىء لا أتباع أشخاص، ولو افترض أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل وهو ينافح عن دين الله فحقّ على أصحابه أن يثبتوا في مستنقع الموت، وأن يردوا المصير نفسه الذي ورده رائدهم، لا أن ينهاروا ويتخاذلوا ... إن عمل محمد صلى الله عليه وسلم ينحصر في إضاءة الجوانب المعتمة في فكر الإنسان وضميره، فإذا أدى رسالته ومضى فهل يسوغ للمستنير أن يعود إلى ظلماته فلا يخرج منها؟ لقد جمع صلى الله عليه وسلم الناس حوله على أنه عبد الله ورسوله، والذين ارتبطوا به عرفوه إماما لهم في الحق وصلة لهم بالله، فإذا مات عبد الله ظلت الصلة الكبرى بالحي الذي لا يموت باقية نامية وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (?) .. ولعل ما ترتب على عصيان الأوامر في هذه الموقعة درس عميق يتعلم منه المسلمون قيمة الطاعة والجندية ... فإحسان الطاعة كإحسان القيادة. فكما أن إصدار الأوامر يحتاج إلى حكمة، فإن إنفاذها يحتاج إلى كبح وكبت، ولكن عقبى الطاعة في هذه الشؤون تعود على الجماعة بالخير الجزيل. لذلك لما دهش المسلمون للكارثة التي قلبت عليهم الأمور، بيّن الله أنهم هم مصدرها، فما أخلفهم موعدا ولا ظلمهم حقا أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (?) ... » (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015