الانفعالات النفسية والعوامل السياسية التي ظهرت بعد موقعتي بدر وأحد وحصار المدينة، وكان من نتائجها أن النبي أخذ يلطّف من سياسته نحو إخوانه المكيين، كما أن أصحاب السلطة في مكة رأوا- بعد ما أصابهم في موقعة بدر، وبعد ما لحق بتجارهم من الخسائر- أن يتساهلوا في أمور كثيرة مع النبي على شروط تضمن لهم بقاء الكعبة والحج وعكاظ على ما كانت عليه قبل الإسلام، وأن يشملهم بالعفو- إلا بعض أشخاص- ويشركهم في عمله الجديد الذي أخذوا يتوقعون منه خيرا لأنفسهم. وربما كان من شروط التفاهم (?) أن يبقى النبي في المدينة وألايتعرض في كلامه لأمورهم المالية، فكانت الحديبية، وسياسة (تأليف القلوب) أو بعبارة أخرى سياسة التسامح والتساهل المتبادل) Compromis (فصار الناس (يدخلون في دين الله أفواجا) لا عن اعتقاد بصحة الدين الجديد الذي لم يكونوا يعرفون عنه إلا الشيء القليل، بل عن رغبة في التقرب من أصحاب السلطة الجدد، وحفظا لمراكزهم القديمة وثروتهم المجموعة في أجيال. يخيل لي- يقول جوزي- إن من جملة الشروط التي اتفق عليها الطرفان في الحديبية أو في زمان ومكان آخرين، أن يكفّ النبي عن الطعن في الملأ المكي، وأن لا يحرّض صعاليك العاصمة الحجازية وأرقاءها عليه، وهذا- على ما يظهر لي- أحد أهم أسباب خلو السور المدنية، ولاسيما تلك التي نزلت في الدور الأخير، من العبارات القارصة والطعن في سكان مكة (?) . وهناك سبب آخر لا يقل خطورة عن الذي ذكرناه الآن، وهو أن حالة النبي الاجتماعية في المدينة تغيرت- كما هو معلوم- تغيرا ظاهرا أدى إلى تغيير نفسيته. فكان من نتائج هذا التغيير ومن الأسباب التي ذكرنا بعضها وغيرها مما لم نذكر (؟) أن بعض إصلاحات النبي الاجتماعية والدينية جاءت مبتورة، وفيها شيء مما يدعوه الأوروبيون:
التساهل» (?) .
ويمضي بندلي جوزي إلى القول بأن «الدور المكي كان دور تمهيد