ونولدكه (?) وسخاو (?) الذي يؤكد «أن الرسالة الإلهية ليست مقصورة على العرب، بل إن إرادة الله تشمل جميع المخلوقات، ومعنى ذلك خضوع الإنسانية كلها خضوعا مطلقا. وقد كان لمحمد بوصفه رسولا من الله، حق المطالبة بهذه الطاعة، وقد كان عليه أن يطالب بها، وهذا ما ظهر من أول الأمر جزء لا ينفصل من جملة ما أراد تحقيقه من مبادىء ... » (?) .
ويرفض أرنولد الخطأ الآخر الذي يرى أن محمدا قد تحوّل إلى القوة بمجرد أن واتته الظروف، وهو رأي قد صرّح به- نقلا عن فلهاوزن- بعض الباحثين ولاسيما ميور عندما تحدث عن مذبحة بني قريظة فقال «إن الدعائم التي سار عليها محمد قدما كانت سياسية محضة، إذ أنه لم يكن قد أقر حتى ذلك الحين طريقة إكراه الناس على اعتناق الإسلام أو معاقبتهم على رفضه..» (?) .. إذ يقول أرنولد «إنما المهم أن نتبين كيف أن محمدا، عندما رأى أنه على رأس جماعة مسلّحة من أتباعه لم يتحوّل دفعه واحدة، كما قد يريدنا البعض على الاعتقاد، من داعية مسالم إلى متعصّب يحمل سيفه بيده ويفرض دينه على كل من استطاع، وقد أكّد الكتّاب الأوروبيون على ذلك مرارا» (?) .
إلا أن أرنولد لم ينج من الوقوع في الخطأ نفسه عند ما يقول «كانت رغبة محمد ترمي إلى تأسيس دين جديد، وقد نجح في هذا السبيل، ولكنه في الوقت نفسه أقام نظاما سياسيا له صفة جديدة متميزة تميزا تاما. وكانت رغبته بادىء الأمر مقصورة على توجيه بني وطنه إلى الاعتقاد بوحدانية الله» (?) .
غير أن أسوأ نموذج يمكن أن نجده لهذه الانحراف المنهجي، حول مسألة تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالظروف الراهنة، وتحركه وفق مستلزماتها، ما ذكره بندلي جوزي، أحد رواد التفسير المادّي للتاريخ الإسلامي، في كتابه (من تاريخ الحركات الفكرية في الإسلام) حيث يقول «إن سياسة النبي مع المكيين قد تغيّرت كثيرا في المدينة تحت تأثير عوامل جديدة ولأسباب عديدة أوجدتها الظروف وأدى إليها الاختيار وحب النبي لوطنه الأصلي وأهله وذويه إلى غير ذلك من