صلى عليه ثم أمر بالقتلى يوضعون إلى جانب حمزة واحدا واحدا، فصلى عليهم وعليه حتى أنه صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة هي عدد القتلى من المسلمين، وآثر صلى الله عليه وسلم مصعبا بن عمير وهو مقتول ببردة له، وقال: «رحمك الله، لقد رأيتك بمكة وما بها أرق خلّة ولا أحسن حلة منك، ثم أنت في أشعث بردة» (?) .
وجاءت صفية بنت عبد المطلب وقد سمعت بأن أخاها قد مثل به فقالت: ما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله!، وكان بعض المسلمين قد حملوا قتلاهم ليدفنوهم في المدينة فنهاهم صلى الله عليه وسلم قائلا: «ادفنوهم حيث صرعوا» .
ثم وقف عليهم وقال: «أنا شهيد على هؤلاء، إنه ما من جريح يجرح في الله إلا ويبعثه الله يوم القيامة، يدمى جرحه، اللون لون دم والريح ريح مسك» ، ثم قفل صلى الله عليه وسلم وأصحابه عائدين إلى المدينة في نفس اليوم السبت الخامس عشر من شوال (?) .
لم يلبث الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي أن قام بمناورة عسكرية استهدفت تحقيق أهداف عدة منها إرهاب العدو، مشركين وأعرابا، منافقين ويهودا، وإشعارهم أن المسلمين لا زالوا على قوتهم ومقدرتهم القتالية، وأن هزيمة أحد لم توهنهم عن أهدافهم، ومنها رفع معنويات المسلمين وإزالة الآثار النفسية المؤلمة، التي خلفتها معركة أحد، والتي كان بإمكانها أن تحفر في نفوسهم خنادق وحفرا لا تمحوها الأيام، فنادى مناديه في السادس عشر من شوال أن يتهيأ الناس لطلب العدو وألايخرج معهم أحد لم يشترك في معركة أحد، يوم أمس، وانطلق صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى بلغوا حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة، وكان المشركون قد بلغوا الروحاء على بعد ليلتين من المدينة، وعسكروا هناك، وأجمعوا أمرهم على العودة ثانية لقتال المسلمين بعد أن أدركوا أنهم لم يستأصلوا شأفتهم، لكن رجلا من خزاعة، حلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم، مر بهم وأعلمهم أن محمدا يطلبهم على رأس قوة كبيرة من المسلمين تتحرق شوقا لقتالهم، انضم