إليها حتى الذين لم يشهدوا أحدا، فعدل المشركون عن رأيهم، واستأنفوا طريق عودتهم إلى مكة، إلا أن أبا سفيان رأى أن يستفز المسلمين ويرهبهم فدس إليهم من يخبرهم، أن قريشا عائدة لاستئصالهم، فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن قال:

حسبنا الله ونعم الوكيل. وأقام هناك ثلاثة أيام، ثم قفل عائدا وقد حقق الأهداف التي توخاها من مناورته تلك (?) .

لقد جاءت هزيمة أحد تعليما قيما للمسلمين، عبر دروب صراعهم المرير ضد الأعداء. وكأن إرادة الله شاءت أن يكبو المسلمون هذه الكبوة، بعد سلسلة الانتصارات التي حققوها قبل بدر وبعدها، لأن الانتصار الدائم يعرض الجماعة لنوع من اليقين الأعمى والاتكالية السالبة ويحشر في صفوفهم الكثير الكثير من ضعاف الإيمان وطالبي المغانم، فلا بد من هزة عنيفة تنخل المنتمين إلى الدعوة وتسقط عنهم أولئك الذين لا يقدرون على الصمود ومجابهة الخطر وجها لوجه، وممارسة الموت بإيمان.

ولقد ظل القرآن الكريم، الذي خصص الكثير من آياته في سورة آل عمران لهذه التجربة المرة، ظل طيلة العصر المدني، كما كان شأنه في العصر المكي، يعلم المسلمين بالتجارب والأحداث ويا بني حركتهم بالهزائم والانتصارات وتتنزل آياته مفرّقة وعلى مكث، واحدة واحدة، ومجموعة مجموعة، إثر كل حدث يمارسه المسلمون، وعقب كل تجربة يخوضونها ... تتنزل لكي تمتزج مع حيوية التجربة المعاشة، وواقعيتها وثقلها، لكي ما تلبث هذه الآيات أن تغدو جزآ من كيان المسلم، متمثلا في لحمه ودمه وعصبه ووجدانه، إنه الارتباط الشرطي الذي أشار إليه «علم النفس» ، إن القيم والتعاليم إذا ارتبطت بحدث خطير له في النفوس وقع كبير سرعان ما تستقر في أعماق النفوس والقلوب والعقول، وتبقى هنالك حتى النهاية، تؤتي ثمارها نضجا للتجربة وتقويما للحركة واستقامة على الطريق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015