عكرمة بن أبي جهل، وسلم اللواء إلى بني عبد الدار، وراح أبو سفيان يحرضهم على القتال ... فقالوا: ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع (?) .
وما أن التقى الطرفان (السبت منتصف شوال) ودنا بعضهم من بعض حتى راحت هند بنت عتبة والنسوة يحرضن الرجال ويضربن الدفوف وينشدن الأراجيز الحماسية للتحريض على القتال.
ورفع المسلمون شعارهم: أمت أمت، وراحوا يتنادون به ليعرف بعضهم بعضا، وجرد رسول الله سيفه ونادى: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فسأله أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ أجابه: أن تضرب به العدو حتى ينحني، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه يا رسول الله، واستلم السيف، وعصب رأسه بعصابة حمراء كعادته، واندفع إلى قلب المعركة لا يعترضه أحد من المشركين إلا قتله.
وراح حمزة يقتطف رؤوس القرشيين واحدا واحدا ويحدث في صفوفهم خللا واضطرابا، وهو ينهدّ عليهم يمينا وشمالا، لولا أن كمن له وحشي- غلام جبير ابن مطعم- الذي يجيد الإصابة بحربته الحبشية، والذي كان قد وعد من قبل سيده، أن ينال حريته إذا ما تمكن من قتل حمزة. ويحدثنا وحشي كيف قضى على العملاق « ... وهززت حربتي حتى إذا رضيت عنها، دفعتها عليه فوقعت في ثلته حتى خرجت من بين رجليه. فأقبل نحوي، فغلب فوقع، وأمهلته حتى إذا مات جئت، وأخذت حربتي، ثم تنحيت إلى العسكر، ولم تكن لي بشيء حاجة غيره ... » (?) .
استمرت المعركة بين المعسكرين غير المتكافئين، إلا أن حرارة الإيمان والرغبة العميقة في الشهادة مكنت القلة أن تواصل القتال وتقتل من المشركين أضعاف قتلاها، وتحرز انتصارا تدريجيا. شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود على المشركين فهزماهم، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان، فلما رأى ذلك خالد بن الوليد حمل على المسلمين فرمته الرماة فتراجع واختفى ... وأعاد المحاولة مرة أخرى ونبال الرماة تنهال على أصحابه فتقتل منهم من تقتل