ومما لا ريب فيه أن مواقف كبار الصحابة هؤلاء تبين لنا أن الإلحاح على الخروج للقتال بعيدا عن المدينة، لم يجىء من الشباب والذين لم يشهدوا بدرا فحسب، بل أسهم معهم في ذلك عدد من كبار المسلمين، الأمر الذي يفسر لنا استجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لوجهة النظر هذه، وعدم تردده في قبولها اعتمادا على ثقته الكبيرة بهذا العدد الكبير من أتباعه الراغبين في الخروج.

وخوفا من أن يطول النقاش، وتتعرض وحدة الصف المسلم للخطر، وتلبية لنداء الشباب المتحمسين للقتال والشهادة، أسوة بإخوانهم في بدر أسرع الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل بيته ولبس درعه وحمل سلاحه، وما أن رآه المسلمون الذين ألحوا بالخروج حتى ندموا وقالوا:

استكرهنا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك، وعرضوا عليه أن يعود إلى رأيه الأول، إلا أنه أجابهم «ما كان لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل، فانظروا ما أمرتكم به فافعلوه، فلكم النصر ما صبرتم» ، ومن ثم غادر المدينة على رأس ألف مقاتل، بعد أن وضع نساءها وصبيانها في الحصون والآطام حتى إذا قطعوا شوطا من الطريق إلى أحد انسحب ابن أبيّ بثلث الناس وقال مبررا ذلك: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟ فتبعهم عبد الله بن عمرو ابن حزام يحثهم على الرجوع لإخوانهم، فلم يستجيبوا، وكان الأنصار قد عرضوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستعين باليهود فرفض (?) .

عسكر الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه السبعمائة قريبا من أحد جاعلا ظهورهم إليه وسوّى صفوف المسلمين، وطلب منهم ألايقاتلوا حتى يأمرهم بذلك، واختار خمسين رجلا وضعهم على الجبل وأمّر عليهم عبد الله بن جبير وقال له: انضح الخيل عنا بالنبال لا يأتونا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا، فاثبت لا نؤتين من قبلك، ولبس صلى الله عليه وسلم درعين زيادة في الحيطة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير. أما قريش فعبأت رجالها بمواجهة المسلمين وقسمت فرسانها الذين بلغوا مئتي رجل إلى قسمين، أحدهما في الميمنة بقيادة خالد بن الوليد والآخر في الميسرة بقيادة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015