تكون كعير ابن الحضرمي (الذي كان قد قتل في سرية ابن جحش) كلا.. والله ليعلمن ذلك. فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا.. وتجمعت قريش كلها تسعمائة وخمسين مقاتلا تصحبهم مائة فرس ولم يتخلف من أشرافها أحد خلا أبا لهب الذي يبدو أن مرضه وكبره أقعده عن اللحاق بالمستنفرين (?) ، واستطاع أبو سفيان خلال ذلك أن يفلت من قبضة المسلمين بإسراعه وتجنبه الطريق الداخلي صوب الساحل. وما أن اطمأن على قافلته حتى أرسل إلى رفاقه في مكة: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم ورجالكم فقد نجّاها الله فارجعوا. إلا أن أبا جهل ابن هشام كان أبعد نظرا منه عندما أصرّ على الخروج والنزول في بدر حيث ان للعرب هناك سوقا يجتمعون له كل عام ثلاثة أيام «ننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها» (?) . فما دامت سرايا المسلمين قد حققت للدولة الجديدة في المدينة طيلة الأشهر السابقة نصرا عسكريا وإعلاميا ونفسيا ضد قريش وثبتت كلمة الإسلام ورايته في أعماق الصحراء فإنه لا بد لقريش أن تردّ بنفس الأسلوب وتعلم العرب الذين ينتمون إليها أن الكلمة كلمتها وأن الصحراء ستظل موطىء أقدامها دون منازع.

وفي الجبهة الآخرى كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد انطلق بأصحابه البالغ عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا مستخلفا على المدينة (أبا لبابة) ومقيما (عمرو بن أم مكتوم) إماما على الصلاة بالناس، ودفع اللواء الأبيض إلى مصعب بن عمير الداعية الشاب، وأما الرايتان السوداوان فقد حمل علي إحداهما وتدعى العقاب، أما الآخرى فقد حملها بعض الأنصار. ووزع الرسول صلى الله عليه وسلم السبعين بعيرا التي كانت بحوزة المسلمين على أصحابه كل ثلاثة يتناوبون واحدا منها، ولم يكن معهم من الخيول سوى اثنتين. وعندما وصلوا قريبا من بدر حيث طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام بعث الرسول إلى هناك اثنين من أتباعه ليتحسسا له الأخبار عن قافلة أبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015