إلى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لأمر رسول الله. فأجابه أصحابه جميعا ومضوا حتى نزلوا بنخلة، فمرت بهم قافلة لقريش تحمل تجارة لمكة فهاجموها وقتلوا أحد أفرادها وهو عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين آخرين وقفلوا عائدين بالبضائع والأسيرين إلى المدينة.
وعندما أبلغوا الرسول صلى الله عليه وسلم تفاصيل الحادث قال: ما أمرتكم بقتال في الأشهر الحرم وأوقف التصرف بالأموال والأسيرين وأبي أن يأخذ من ذلك شيئا، فأسقط في أيدي القوم وعنفهم إخوانهم فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدم وغنموا الأموال وأسروا الرجال، لكن آيات القرآن الكريم سرعان ما تنزلت لتحدد الموقف الحازم إزاء القيادة الوثنية التي كانت قد سبقت إلى انتهاك الأشهر الحرم، فقاتلت المسلمين الجدد فيها وعذبتهم واضطهدتم وفتنتهم عن دينهم، وإنه قد آن للمسلمين أن يردوا على هذا الانتهاك الصريح لأن التشبث بحرمة الشكليات هزيمة لا مبرر لها في ساحة الصراع العنيف بين المعسكرين يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا (?) (?) .
ويمكن اعتبار سرية عبد الله بن جحش الجسر الذي اجتازه صراع المناوشات بين الإسلام والوثنية صوب القتال المنظم المكشوف الذي بدأته معركة بدر. ذلك أن هذه السرية كشفت، بسبب توغل مقاتليها بعيدا إلى طريق التجارة المكية- اليمنية، مدى خطورة الدولة الناشئة على تجارة مكة خاصة ووجودها الوثني عامة، كما أن الاشتباك الذي وقع بين الطرفين وأدى إلى قتل وثنيّ وأسر آخرين أبان عن رغبة المقاتلين المسلمين برفع السلاح بوجه الوثنية دونما تردد أو مساومة، هذا فضلا عن المنطلق المبدئي الجديد الذي حددته الآيات السالفة والذي ضربت فيه شكليات التقاليد القديمة ونفخت في المقاتل المسلم روحا جديدة دفعته إلى مزيد من المجابهة والصراع والتحدي للقيادة المكية التي كانت