لتقبل كل ما يصدر عن رسول الله و (الإسلام) لله و (الإيمان) به و (التقوى) خلال ممارسته في السر والعلن و (الإحسان) في إنجازه على أحسن ما يكون الإنجاز، دون تردد أو سلبية أو خيانة أو غش أو تملص أو رفض أو تهرب.. إنما هو الخضوع اليقيني المتبصر بأن هذا الذي يتنزل في ميدان التشريع والتقنين إنما هو الحق المطلق والخير الكامل والصواب الذي ليس بعده إلا الضلال المبين.
وقد أتاح هذا التطور المبرمج لسير الدعوة الإسلامية أن يشاد البناء الجديد على أسس متينة متوغلة في أعماق النفس المسلمة على المستوى الفردي والجماعي على السواء، فجاء متماسكا مترابطا ثابت الأركان، فضلا عن أن الإحساس الجديد (بالزمن) و (بالمسؤولية) و (يقظة الضمير) التي غرستها العقيدة الإسلامية في النفوس دفعت المسلم ليس إلى تقبل التشريعات والحدود والأوامر الجديدة وتنفيذها بدقة فحسب بل إلى كسب الوقت والمسارعة في تحويلها إلى وقائع معاشة وتجارب وترجمات يومية وصيغ منقوشة على صفحة المكان والزمان، كما دفعتهم إلى السعي (للإحسان) في الأداء والإبداع في التنفيذ من أجل بلوغ المرحلة القصوى من رضا الله وطاعته، وقد أتاح هذا كله اطرادا عجيبا في نموّ الأجهزة التشريعية للدولة الناشئة وسرعة مدهشة في نزول متطلباتها إلى الشارع والبيت والسوق والمسجد والميدان، الأمر الذي يفسر لنا على المستوى الحضاري الاختزال الزمني المدهش الذي مارسه المسلمون وهم يبنون عالمهم الجديد وحضارتهم المتوازنة.
لقد أسهم القرآن والرسول، جنبا إلى جنب، في رسم الخطط ووضع التشريعات وبناء المؤسسات وتغطية المتطلبات المتزايدة للدولة الجديدة. ولم يكن الدستور (أو الوثيقة) وحدها- رغم خطورتها في هذه المرحلة- هي كل شيء، كما يحاول الكثير من الباحثين أن يصوروا من خلال مبالغتهم (?) ، فالوثيقة