متخطية الإجابة عن هذا السؤال المهم: ما هي العلاقة بين الله سبحانه وبين الطبيعة، بما فيها القوى المادية، والإنسان بما أنه روح ومادة، في صنع التاريخ وإقامة الحضارات؟ وهل من المحتم أن تتكىء أحداث التاريخ على عامل واحد من هذه العوامل الثلاث ويلغى العاملان الآخران، أو على الأقل يغدوان ظلالا باهتة لفاعلية العامل الرئيسي؟ ولماذا هذه الجدران التي أقيمت بين الله والطبيعة والإنسان؟!
إن معظم مذاهب التفسير تخطّت الإجابة عن هذا السؤال تاركة في طريقها ثغرة عميقة، ومنغلقة، في بحثها عن الفرضية الخاطئة التي تمنح صفة الفاعلية لعامل واحد وتلغي العوامل الآخرى إلغاء.. ومن ثم برز التفسير السحري (الميتافيزيقي) للتاريخ وتطور ليعبر عن نفسه بالتفسير اللاهوتي الذي ساد تفكير مثقفي العصور الوسطى الأوروبية، كما برز التفسير الفردي (البطولي) للتاريخ، والتفسيرات الطبيعية التي بلغت أقصى حدتها بالمادية التاريخية التي يصفونها (بالعلمية) !!
ولقد أدرك بعض فلاسفة التاريخ المعاصرين، وعلى رأسهم أشبنغلر وتوينبي وكيسرلنج والناقد كولن ولسون، أبعاد هذا الخطأ، فعادوا خطوة متمعنة إلى الوراء لكي يجيبوا على السؤال الأول، ويجتازوا- من ثم- طريقا مرصوفا لا ثغرات فيه. والحق أن التفسير الحضاري، تقدم خطوات في هذا المجال، خطوات تتسم إلى حد ما- بالاتزان والتعقل والموضوعية والشمول الذي يستند إلى نظرة كلية وإدراك عميق لمقومات الحدث التاريخي، ولكن الموقع الذي رصد منه هؤلاء التاريخ وفلسفوا حركته، تقف أمامه كثير من المرتفعات كسدود وحواجز تمنع الرؤية الكاملة والحكم الشامل الصحيح كما أن التجربة النفسية التي لامسوا بها أحداث التاريخ تحمل الكثير من عناصر الذاتية المزدوجة والتأثيرات العلمانية، لذا فإنهم لم يقدروا على إعادة الالتئام الكامل بين فاعلية العوامل الثلاث، وأبقوا بعض الجدران المزيفة، مرئية وغير مرئية، بين الحضور والغياب، والله والإنسان، والمادة والروح، والطبيعة وما وراء الطبيعة.
صحيح أنهم أعلنوا أن الحدث التاريخي لا يمكن أن تصنعه قوة واحدة، لأن أية (حركة) تاريخية إنما هي نتاج لقاء خلاق بين الله والإنسان والطبيعة- بما فيها الزمن- وأن إغفال أي عنصر منها إنما هو جهل بالأسس الحقيقية لحركات