جدكم (?) قد جاء!! فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل نخلة ومعه أبو بكر رضي الله عنه في مثل سنه، وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وازدحم عليه الناس وما يعرفونه من أبي بكر، حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظلّه بردائه فعرفناه عند ذلك» (?) . وقال البراء «جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في الهجرة، فما رأيت أشد فرحا منهم بشيء من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى سمعت النساء والصبيان والإماء يقولون: هذا رسول الله قد جاء.. قد جاء» (?) .
وفي اليوم الثاني عشر من ربيع الأول (24 أيلول 632 م) من السنة الثالثة عشرة للبعثة، وصل الرسول وصاحبه يثرب حيث جرى لهما استقبال حافل من قبل أولئك الذين انتظروا رسولهم طويلا.. وها هي تكبيراتهم تشق أجواء الفضاء.. إنهم سيبدؤون معه، وبه، ومن أجله وأجل دعوته، عهدا جديدا كتب لهم شرف وضع أسسه التي سيقوم عليها البناء.. الدائرة الثانية من دوائر الدعوة، دائرة الدولة التي ستحمي المسلمين أفرادا وجماعات، وستمنح الإسلام خطوات حاسمة وسريعة في طريق النصر.. فلا عجب أن يخرج الأنصار بأسلحتهم يستقبلون الرسول، فها هم أولاء الجنود الذين سينضمون إلى إخوانهم المهاجرين، وسيبنون معا، بقوة العقيدة والسلاح، الدولة التي ستصنع حضارة تشرف الإنسان، في كل مكان، وتباركه، وتضعه موضعه الحق الذي أراده له الله عندما استخلفه ومنحه السيادة على العالمين.
إن اليوم الثاني عشر من ربيع الأول هو نهاية حركة حاسمة من أجل إقامة (الدولة) لكنه في الوقت نفسه بدء حركة حاسمة أخرى من أجل تعزيز الدولة وإقامة (الحضارة) تماما كما كانت بعثة الرسول- في البدء- حركة صوب تكوين (الإنسان) صانع الدول والحضارات!!