يمكن أن تكون الوطن، ومن ثم راح الرسول يجاهد من أجل الهجرة التي تمنح المسلمين دولة ووطنا، وتحيط كيانهم الغضّ بسياج من إمكانيات القوة والتنظيم والأرض!!

ولن نستطيع أن نحدد بالضبط تلك البدايات.. لكنا نعلم- كما مرّ بنا- أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ نشاطا واسعا ومشهودا إثر خروج المسلمين من حصارهم القاسي في (شعب أبي طالب) ، ذلك الحصار الذي استغرق سنين طوالا، وجاء إشارة حاسمة إلى أن المشركين عامة، والقيادة الوثنية القرشية على وجه الخصوص، لا يمكن بحال أن تهادن المبدأ الجديد، الذي جاء يمثل رفضا حاسما لكل قيم الوثنية وأهدافها وتقاليدها ومصالحها.. وأنهم سيظلون يدفعون حتى النهاية الأخطار التي يمثلها الإسلام بوجه أهدافهم وتقاليدهم ومصالحهم.

والرسول صلى الله عليه وسلم- الذي علمتنا سيرته مدى الواقعية الإيجابية التي كان يتمتع بها، والحرص على الطاقة الإنسانية ألّا تتبدد في غير مواضعها- سرعان ما نجده يتحرك صوب الخروج إلى مكان جديد يصلح لصياغة الطاقات الإسلامية في إطار دولة تأخذ على عاتقها الاستمرار في المهمة بخطى أوسع، وإمكانات أعظم بكثير من إمكانات أفراد تتناهبهم شرور الوثنية من الداخل وتضغط عليهم قيم الوثنية من الخارج ويستنزف طاقاتهم البناءة اضطهاد قريش، بدلا من أن تمضي هذه الطاقات في طريقها المرسوم.

إن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأت فعلا يوم خرج إلى الطائف، فصدّ صدّا قاسيا، لكنه لم ييأس، لأنه يعلم يقينا أن الخاتمة ستكون له، فقط إذا استمر على بذل جهده البشري الكامل في البحث والتخطيط للهجرة التي ستعقب دولة، وللدولة التي ستعقب انتصارا ... ووقف عند أسفل جدار لبستان في الطائف، ريثما يستريح، ونادى ربه (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) !! ثم واصل الطريق وراح يتصل دون كلل بوفود القبائل التي كانت تنهال على مكة في مواسم الحج، يعرض عليهم الدين الجديد، ويعرض مع الدين الجديد طلبا بأن يمنحوه أرضهم ويحموه، لكي يتمكن من (الإسراع) في أداء مهمته الصعبة قبل أن يجيء البين ويضطرب المصير.

إن الهجرة كان يمكن أن تكون إلى الطائف، أو إلى ديار أية قبيلة عربية قوية الجانب عزيزة المنال، سواء كانت بلادها في الشرق أو في الغرب.. لكن أيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015