وذلك أن هؤلاء يصورون أشخاصا من أبناء قومهم، فليس عليهم إلا أن يحسبوا حساب اختلاف الأزمنة، أما المستشرقون فلم يمكنهم أن يلبسوا الصورة الحقيقية لأشخاص السيرة، فصوروهم حسب منطقهم الغربي وخيالهم العصري. وأن الدكتور (سنوك هيرغرنجة) ليقول بحق في نهاية نقده لكتاب المستشرق غريم (إننا نرى أن الأستاذ غريم لو اقتصر على درس السيرة النبوية القديمة وبحثها بعمق لكان أفضل، وأن الثمار التي كان يمكن أن يجنيها من مثل هذا الدرس لهي أجدر ببلوغ الغاية التي توخّاها، ولكنه ظن أن هذا عمل ليست له أهمية كبيرة، وأراد أن يطرف الناس بنبأ جديد ففشل في وضع السير النبوية) ..» (?) .
وفي ختام كتاب (آتيين دينيه) القيم (الشرق كما يراه الغرب) ترد بعض الآراء حول (المنهج) حيث يقول «لقد أصاب الدكتور سنوك هيرغرنجة بقوله «إن سيرة محمد الحديثة تدل على أن البحوث التاريخية مقضي عليها بالعقم إذا سخرت لآية نظرية أو رأي سابق» . هذه حقيقة يجمل بمستشرقي العصر جميعا أن يضعوها نصب أعينهم، فإنها تشفيهم من داء الأحكام السابقة التي تكلفهم من الجهود ما يجاوز حدّ الطاقة فيصلون إلى نتائج لا شك خاطئة (?) . فقد يحتاجون في تأييد رأي من الآراء إلى هدم بعض الأخبار، وليس هذا بالأمر الهين، ثم إلى بناء أخبار تقوم مقام ما هدموا، وهذا أمر لا ريب مستحيل. إن العالم في القرن العشرين يحتاج إلى معرفة كثير من العوامل الجوهرية كالزمن والبيئة والإقليم والعادات والحاجات والمطامح والميول.. إلخ لا سيما إدراك تلك القوى الباطنة التي لا تقع تحت مقاييس المعقول والتي يعمل بتأثيرها الأفراد والجماعات» . ثم ما يلبث دينيه أن يضرب (مثلا عكسيا) فيقول: «ما رأي الأوروبيين في عالم من أقصى الصين يتناول المتناقضات التي تكثر عن مؤرخي الفرنسيين ويمحصها بمنطقها الشرقي البعيد، ثم يهدم قصة (الكاردينال ريشيليو) كما نعرفها، ليعيد لنا ريشيليو آخر له عقلية كاهن من كهنة بكين وسماته وطباعه!؟ إن مستشرقي العصر الحاضر قد انتهوا إلى مثل هذه النتيجة فيما يتعلق برسمهم الحديث في سيرة