غرور الحياة

إن المغرور حقا هو الذي، خدعه بريق هذه الحياة فأمل فيها أكثر مما يبلغه، وهو لا يبني هذا الأمل إلا على شفير هار وإن العاقل هو الذي لم ينخدع بهذا البريق ولم يغتر بهذا السراب وإنما فكر وقدر ثم فكر وقدر فبان له أن هذه الحياة غرور في غرور وإن كانت فيها لحظات سعيده فإنها لا تفي بما يغمرها من بؤس وشقاء.

كنت أفكر في هذا إذ أقبل إلي أحد أقاربي ينعي إلي ابنه الذي مات ولم يتجاوز عامين ولم يمرض إلا خمسة أيام وقد وضعت أمه طفلا: لفظ هذه الكلمات في جهد وإعياء ثم ألقي بنفسه على مقعد بحانبي خائرا متضعضعا لأن الحزن قد شل أعضاءه وعقد لسانه حتي لا يكاد يبين، فأدركت إذ ذلك أن سبب شقائنا بالحياة هو جهلنا بالحياة وعدم توطيننا أنفسنا على مكروهها لأننا لم نرها إلا جميلة جذابة مغرية حينما رأينا جانبها المشرق اللماع ولم نر جانبها المظلم العابس، ولو عرفنا الحياة كما عرفها الأنبياء والحكماء والعارفون بالله لهان علينا كل مما فيها من نعيم وبؤس وعادة وشقاء، فلم نفرح بإقبالها ولم نغتم بإدبارها بل لقلنا ما قال المتنبي:

عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا … فلما دهتنى لم تزدني بها علما

إنها حياة لا يقوم خيرها بشرها ولا يفي سرورها بحزنها وإلا فما معنى حزن هذا الذي لم يمت له ولد حتى ولد له ولد؟ ذلك هو معنى ما يقول أبو العلاء:

إن حزنا في ساعة الموت أضعا … ف سرور في ساعة الميلاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015