ولا يندهش القارىء لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أبت نضح في وجهها الماء"، وليكن شجاعا في الله وفي سبيل إقامة بيته على دعائم ثابتة قوية، ولا يقل أن هذا اعتداء على حق الزوجة فإن الله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ}، ولكن عفوا، فأين الزوج الذي يقوم الليل في زمن قل فيه المحافظون على أداء الفريضه في وقتها، فكيف بقيام الليل الذي لا يتعرض الشيطان لشيء كما يتعرض له؟
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعمد الشيطان على قافيه رأس أحدكم، إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
رابعها: التضرع عند السحر، والتضرع هو الخضوع والتذلل في الإلتجاء إلى الله والرجوع إليه في طلب الحاجات، وخير ظرف لذلك هو وقت السحر حيث يكون القلب على نقائه وطهره وفراغه من شواغله المادية، وبعد أن يكون قد توسل إلى الله بخير الوسائل وأحبها إليه وهي قيام الليل، فالدعاء المرجو الإجابة، ما كان بعد توثيق الصلة بالله، وتوكيد الزلفة إليه بما رغب فيه من طاعة وشرعه من عباده.
خامسها: مجالسة الصالحين، وما أعظم نفع هذا الدواء، ولكن ما أعظم زهدنا فيه، وأشد غفلتنا عنه، فإن عدوى الآفات الروحيه أشد تأثيرا من عدوى الآفات البدنية، والبذرة الصالحة تفسدها البيئة الفاسدة، وشياطين الإنس أشد ضراوة وأكثر شرا من شياطين الجن، بل لولا شياطين الإنس لما كان لشياطين الجن كل هذا السلطان علينا، وخير للعاقل الحازم إذا أعوزه الجليس الصالح أن يفزع إلى مجالسة المصحف، أو مصاحبة الكتاب، أو ملازمة المسجد، متى فرغ من كفاحه الاجتماعي في الخارج، وأن يكون على حد قول القائل:
وحدة الإنسان خير … من جليس السوء عنده
وجليس الخير خير … من جلوس المرء وحده