قراءة القرآن بتدبر، وأي دواء للقلب كالقرآن الذي جعله الله شفاء للقلب، إذ يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} والذي له من التأثير ما يعبر الله عنه بقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وبقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} أي لكن هذا القرآن، ولكن المشكلة أننا لا نقرأ القرآن بقلوبنا، أو نقرؤه بقلوب مقفلة، أي أننا لا نتدبر القرآن كما قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}؟ وكيف نبيح لأنفسنا قراءة القرآن بلا تدبر، وقارىء القرآن كالمتحدث مع الله؟ كما قال عليه الصلاة والسلام "إذا أحب أحدكم أن يحدث ربه فليقرأ القرآن".
ثانيها: خلاء البطن، وكيف لا يكون خلاء البطن دواء للقلب وكل ما نشكوه من بلاء، ناشيء عن هذا الامتلاء، لذا يقول صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن" الحديث، لأن البطن إذا امتلأ ضغط على القلب فران عليه الصدأ، وتكاثف عليه البخار فحجب عنه أنوار الفكر، ومن هنا قيل: (البطنة تذهب الفطنة)، فضلا عن أن امتلاء البطن يورث الكسل، ويجلب النوم الذي طالما فوت على أصحابه كثيرا من أعمال البر، ومن هنا قال عيسى عليه السلام: يا بني إسرائيل.: لا تأكلوا كثيرا، فتشربوا كثيرا، فتناموا كثيرا فيفوتكم خير كثير.
ثالثها: قيام الليل، أي إحياؤه بضروب من الطاعات والقربات، من صلاة وتسبيح ودعاء واستغفار وإنما كان لعبادة الليل هذا الفضل والإمتياز عن عبادة النهار، لأن الليل أفرغ للبال، وأجمع للفكر، وأبعد عن الضوضاء، وأدعى للسلامة من الرياء، فالعبادة فيه أقرب إلى الإخلاص والصدق، ومن ثم فهي أقرب إلى الله وأحق بالقبول، وأدعى إلى إصلاح القلب وتطهير الوجدان، وتهديب الخلق، ومن هناك كان حث الشارع عليها أكثر:
روى الترمذي عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "أيها الناس افشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام"، وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ إمرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء".