وذرعك، وهو داء قلما سلم المصابون به من آثاره السيئة، وعواقبه الوخيمة، ومن هنا قال- عليه الصلاة والسلام: "هلك المتنطعون"، إذ لو عرف كل متنطع منزلته فوقف عندها، أو تواضع لله فوقف دونها لما ارتطمنا بهذه المشكلة، ولما تعرض هنا لآفتها وسوء عاقبتها.
وأيا كان اسم هذا الداء، فإن الحديث يبرز سوء عاقبته في صورة مهوله مفزعة، تقشعر منها الأبدان، وتبعث الرعب في النفوس، وتثير الخوف في القلوب، وتشعر اليأس من تلا في الأمر، وإمكان النجاة إنها قيام الساعة، وكفى بها هولا وفظاعة، هكذا: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة".
وقيام الساعة كناية عن اختلال الأمور، وانتشار الفوضى، وانقلاب الأوضاع، وخراب المجتمع، كما يحدث عند قيام الساعة، ولا غرابة في ذلك فإن العالم يقوم على قواعد ثابتة، وأنظمة محكمة فمتى سرى الاختلال والفساد إلى هذه القواعد والأنظمة فقد قامت قيامة العالم وإدركته نهايته.
وقد عرف العرب قديما، هذا الداء فقالوا: (أعط القوس باريها) وقال شاعرهم:
يا باري القوس بريا لست تحسنها … لا تفسدنها وأعط القوس باريها
فهذه العلة- أن يقوم بالأمر من لا يحسنه- عله قديمة، أصطلى الناس بنارها مند القدم، ولم يتمكنوا من الإفلات منها إلى اليوم، وهي كذلك عامة في كل حركة من الحركات، وفي كل ناحية من نواحي الحياة، تقوى هنا وتضعف هناك، وتعلم في ناحية، وتجهل في أخرى.
فكم متهافت على الزعامة، متهالك عليها، وهو ليس من أهلها ولا من طرازها، ولكن الغرور، وعدم الإعتراف بالقصور، قاداه إلى ما لا تحمد عقباه، فقاد أمته إلى الحمام، وهو يقول: (إلى الأمام).
كم متطفل على التعليم، أفنى عمره في إفساد النشء الصالح وتضليل