والنبي صلى الله عليه وسلم قد أعلن حربا شعواء على هذا الداء الوبيل، بأفعاله وأقواله، فكان مثال التواضع لأصحابه، بحيث لا يتميز من بينهم وإذا رآهم يقومون له قال: لا تقوموا لي كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا، وإذا رآهم يطرونه (يمدحونه) قال: لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، إنما أنا عبد الله فقولوا: عبد الله ورسوله، ودخل عليه أعرابي فجعل يرتعد هيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد، وسمع بعض أصحابه يثني على رجل في المجلس، فقال له: عقرت ظهر أخيك" وما أبلغ هذا التعبير في أبراز عاقبة هذا الثناء الذي يحرك دواعي الغرور ويوهم المغرور أنه بلغ غاية الكمال، فلم يعد بحاجة إلى مواصلة السعي في طريق الكمال، فيكون هذا الثناء كأنه عقر لظهره، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يقول: "إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب" حتى لا يغتر الناس بهذا المدح فيصرفهم عن طلب الكمال، والناس يغرهم الثناء، لا الغواني فحسب، كما يقول شوقي:
(والغواني يغرهن الثناء) حاشا أحياء الضمائر، وأيقاظ القلوب أمثال عمر بن عبد العزيز الذي قيل له: (جزاك الله عن الإسلام خيرا) فقال: بل جزى الله الإسلام عني خيرا.