حدثني صديق مطلع قال: سافر أحد الأهالي الجزائريين إلى باريس، وفيما هو يزور صديقا له فرنسيا قال له هذا الصديق: لماذا لا تخرج للاصطياف مع ما فيه من فوائد جمة؟ قال: ليس لي وقت لأن لي أعمالا كثيرة، فما كان من الفرنسي إلا أن فتح نافذته المطلة على المقبرة وقال له: انظر، فهؤلاء كلهم ماتوا دون أن يقضوا حاجاتهم، أو يفرغوا من أعمالهم.
قلت للصديق الكريم،- وقد أعجبت بما في القصة من نكتة طريفة ولفتة بارعة-: ما أبلغها موعظة، ولا سيما: هي صادرة من فرنسي لمسلم: فرنسي يذكر الموت فينتفع بالحياه، ومسلم ينسى الموت فلا ينتفع بالحياة، وكيف ينسى المسلم الموت، وكل ما في دينه يذكر بالموت؟ ثم ما هذه الأعمال التي لا تعين على التمتع بالحياة؟
إن كل عمل في الحياة هو- قبل كل شيء- وسيلة للتمتع بالحياة، فكيف تكون الوسيلة إلى الشيء عائقة عنه لولا غباوة الإنسان؟ وأي شقاء كأن يقضي الإنسان كل عمره الطويل عاملا كادحا ثم لا ينتفع بما يعمل حتى إذا أدركه الأجل فارق دنياه دون أن ينتفع بها، وأقبل على أخراه دون أن يعمل لها، لأنه عاش لدنياه لا يعمل إلا لها.
ولكن، ما الحيلة، وما العمل؛ وهذا ما عليه أكثر الناس في هذه الحياة، ولا سيما في هذا العصر الذي يدعونه عصر المدنية؟ فإن الناس قد كثرت حاجاتهم، وتعددت مطالبهم، فتعقدت حياتهم، إذ تراكمت أعمالهم، وقلت فترات راحتهم،